|
سينما فالجميع عانوا الغربة بأشكالها وألوانها وقاسوا مرارة الحرمان والبعد عن الوطن لكن كل واحد منهم واجه هذه الغربة وتصدى لها بطريقته الخاصة. أظهر الفيلم بحرفية عالية ما كانت تقاسيه هذه الشخصيات محاولاً في ذلك اقتسام الشعور بالألم مع الآخرين عله يتبدد بعض الشيء، واللافت الوقوف عند لحظة القمة وهو الشعور بالوحدة والقهر والانهزام، وفي هذه اللحظة بالذات على الإنسان أن يقرر أحد أمرين فإما أن يسقط وتكون نهايته وإما أن يبقى صامداً مضيئاً كقطع الكريستال. والغربة كما أوضحها الفيلم لم تكن فقط غربة الوطن بل ثمة غربة داخل الوطن نفسه وهي الافتقاد للتواصل مع المجتمع المحيط بنا ومع المقربين من الناس ،وهذا ما حدث لدارينا الجندي إحدى بطلات الفيلم التي وقفت على مفترق الطرق فهي إما أن تنهار وتستسلم بعد أن أودعت مشفى المجانين و تنتحر وتسدل الستارة على حياتها وإما أن تقاوم وهذا ما حدث، فقد آثرت التمسك بالحياة من خلال نصوصها التي كتبتها. أما سارة فغربتها في وطنها أفقدتها الأمل بالحياة والاستمرار، فلجأت إلى الانتحار لتحد من عذاباتها التي لا تنتهي ورغم هذه المرارة بالفيلم لم تشأ المخرجة إلا أن تطلق شعاع الأمل في نهايته لتقول: ما زال في الحياة ما يستحق أن نحيا من أجله والوطن هو الأمل. على هامش الفيلم كان لنا اللقاء مع المخرجة هالة العبد الله للوقوف عند بعض النقاط البارزة حيث تحدثت عن خصوصيته وإن كان موجهاً للنخبة فعلاً، قالت: لا تهمني النخبة بل تهمني الشريحة الواسعة من الناس، ولو كانت النخبة هي ما أقصده لما جئت بهذا الشوق الكبير وعندي رغبة كبيرة في أن يعرض في سورية، وأسعى دائماً لإيصال صوتي لجميع الناس على اختلاف شرائحهم ومستوياتهم الاجتماعية والثقافية. وحول تصنيف الفيلم قالت إن هذا النوع خارج التصنيف فهو ليس فيلماً وثقائقياً بحتاً ولا روائياً وأنا أطلق عليه اسم (فيلم المؤلف الوثائقي) لأنه في لحظة ما يقرر المؤلف أن يضع هذه الشخصيات في الصفحة ذاتها ويدعهم يتقدمون بالشكل البصري والصوتي، وببساطة هو قرر في هذه اللحظة أن يجمعهم معاً..رغم أن هذه الشخصيات لا علاقة لها مع بعضها بالحياة ولا بأشياء أخرى، إذاً هي سينما بلحظة من اللحظات تصبح منتمية إلى هذا الإنسان، وهو يدافع عن مقولة له بطريقة بصرية وسمعية فينتج هذا الشكل الفني. أما عن رسالة الفيلم فأوضحت بالقول: قضيت 25 سنة في الغربة، وهذا الفيلم هو صرخة ونداء أعبر فيه عن وحدتي ووحدة الآخرين ممن شاركوني الفيلم لأبدد هذا الشعور بالوحدة من خلال مشاركة الآخرين لي بوحدتي وغربتي، وأعتقد أن لقاءنا يخفف هذه الوحدة، إذ أتفاعل مع المكان هنا ومع الناس وأنتمي لهم بقوة لا توصف وإن كان الفيلم بإنتاج خارجي بطريقة ما فهو فيلم سوري وروحه في سورية. |
|