|
آراء ماهذا الإزعاج لماذا هذا الضجيج؟ صاحب الهاتف الجوال يتحدث بصوت مرتفع يرد على المكالمات تباعاً، كأنه مقسم اتصالات متنقل، فلايكاد جهازه يصمت، حتى يعود للجلجلة من جديد، يزعجني ويبعثر تفكيري، ويقطع خيطاً استرسالياً، وأنا المحبة للهدوء، السعيدة بالترحال الباكر، دون برد يعكر المزاج، أو حر لا أقوى على تحمله، أجلس وحدي أهنأ بمقعد انفرادي أخلو به لنفسي، وحوار ذاتي وصياغة أفكار مبتكرة عن مطارح تتطهر بالأنس كل صباح. في ذلك اليوم، ألقيت رأسي إلى الخلف، أغمضت عيني كالعادة عن أفلام الأكشن، التي يعتمدها السائقون هذه الأيام لترويج انطلاقهم، أفلام مرعبة، متعبة، محفزة للأعصاب، تدسها أميركا ضمن سيديات استشرت أبعادها المخربة، وصار من الصعب محاصرتها أو تطويقها، فالذوق العام واقف على حد هاوية، لايهمه من الواقع الراهن إلا ذر الرماد في العيون، فتحت عيني، قرأت بعض الوجوه. دونتها ذاكرتي على عجل، كانت الملامح متفاوتة الوضوح، تضحك، تعبث أو ترمق بشكل حيادي، تتعبني الملامح الحيادية، لكنه التعب الجميل المتوج بالابتسام، لقد أقلقت راحتي ياهذا، هاتفك نغص علي متعة رحلتي..... قالت نظراتي اللائمة.... انتبه... وقد وعدته بتقريع أكيد إن لم يلتزم بآداب المسير، ويتجنب غضب الطريق. هل سمعتم شيئاً عن غضب الطرقات؟ أنا سمعت، فقد كنت أتابع مصادفة أحد البرامج التي تبثها محطة لبنانية، البرنامج دار وقتها حول قضية غريبة من نوعها، تناولها المعنيون بفلسفة تشير إلى وجود علاقة وثيقة بين نفسية الإنسان المسافر، وبين الطريق الذي يعبر فوقه، حاولت أن أجيّر المسألة الحاصلة لمصلحتي، أن استمتع مثلاً بموسيقا الأجهزة الجوالة المعيّرة على أغاني فيروز تحديداً: كيفك إنت سلملي عليه ياأنا، ياأنا بيتي أنا بيتك وغيرها من الأغاني اللطيفة، القريبة من الوجدان لكنني لم أستطع ولم أقدر تجاوز النشاز الحاصل المنطلق من جهاز ذلك الرجل، حزنت لأجل فيروز، ولأجل المسافرين، ولأجل أطفال أفكاري... ولأجل المستجدات التي لم تخلق لأمثال هؤلاء.... وهؤلاء باتوا كثراً، ينتشرون هنا وهناك ويتوزعون في كل مكان، ويتباهون برنين يطلق عنوة في محفل محترم، أو اجتماع مهم، أو جلسة ودية، يقطع استرسال الحديث، ويربك الموجودين ويشتت طبيعة المكان. |
|