|
آراء ولا نعرف خصائص هذا العلم ومراجعه، وعلى أي شيء يستند؟ لكن الإقبال على هذه الفضائيات وتكاثرها أنها دليل أنها تحقق أرباحاً كبيرة، وقد استوقفني مؤخراً مصطلح أكاديمية الأحلام؟ فعلى ماذا تعتمد هذه الأكاديمية.... بكل تواضع أعتراف أنني مهتمة جداً بموضوع التحليل النفسي للأحلام، وبأن أكثر الكتب التي بهرتني هو كتاب فرويد(الأحلام والرؤى) وفيه يفسر فرويد على نحو علمي وساحر كيف أن الحلم هو أوضح دلالة للعقل الباطن وللاوعي عند الإنسان، وكيف أن الأحلام هي تعبير عن مخاوفنا وأحلامنا والغرائز التي نكتبها ويمكن عن طريق الحلم أن نكشف عقداً وكوامن كثيرة في الشخصية. إن الحلم، هو العقل المنفلت من رقابة الأنا العليا، وهكذا يجب أن يكون المدخل إلى تفسيره.. لكن ماذا نرى في الفضائيات المختصة بتفسير الأحلام؟ نجد جهاز كمبيوتر أو عدة أجهزة، كي يوهم المشاهد أن ما يجري من كلام وتحليل للحلم يتبع المنهج العلمي تماماً. ونجد الأكاديمي- أقولها تجاوزاً- أو الأكاديمية، ترد على المكالمات الغزيرة لمشاهدين يأملون تفسير أحلامهم.. الأسئلة التي يوجهها الأكاديمي للمشاهد على درجة مريعة من السخف والتفاهة، الحوار أساساً مخجل لضحالته وسخفه، مثلاً يتصل شخص ويقول أنه حلم بسمكة، ويسأل ما دلالة السمكة في الحلم... فتظهر علامات التفكير والقلق على وجه الأكاديمي ويسأل ما نوع السمكة ؟ لا أعرف إن الناس بشكل عام يميزون بين أنواع الأسماك؟ ويقول الأكاديمي بأن نوع السمكة مهم لتفسير الحلم، فأستنتج بيني وبين نفسي أن دلالة سمكة البلميدا، مختلف بالتأكيد عن دلالة سمكة اللقس أو السلطان ابراهيم؟ وهكذا يدور حوار عن نوع السمكة أو الطير، أو إلى ما هناك من صور عبرت منام الحالم النائم.. لا أحد من هؤلاء يسأل عن ظروف معيشة الشخص ما يقلقه ومخاوفه، بل إن هؤلاء الأكاديميين ينصحون البعض بعدم السفر مثلاً، أو بتأجيل الارتباط مثلاً بل إن أحدهم نصح المتصل أنه استناداً إلى حلمه فعليه ألا يسافر أبداً فترة الظهيرة أي بين الواحدة ظهراً إلى الساعه الرابعة والثلاثين دقيقة ! سبحان الله، يا للدقة، أي أنه يمكن للحالم المغفل أن يسافر في الرابعة والواحد وثلاثين دقيقة.. إن إقبال الناس على فضائيات تفسير الأحلام دليل على حاجة الناس الحقيقية لمن يهتم بنفوسهم المتعبة والقلقة، وعلى حد تعبير ميلان كونديرا، فإن القرن العشرين هو القرن الأكثر قلقاً وتوتراً للإنسان، لكن للأسف ماذا يجد المشاهد، تفاسير خلبية لا تمت بصلة للعلم، بل إنها تبتدع غرائبها العجائبية، فأحدهم يفسر لك ماذا ينتظرك وماذا عليك أن تقرر حتى لو حلمت بحرف، حرف واحد فقط، ويقول : إن حرف ج مثلاً له دلالات كثيرة، مثل جاء، جلد، جلب... وكل كلمة لها مدلولها، وعليه يجب أن يتخذ الحالم قراراً مصيرياً! لا يمكنني إلا أن أعتبر الناس الذين لا يحلمون محظوظين، كي يتقوا ضلال مفسري الأحلام.. وسأنتقل لموضوع آخر، لكنه يندرج في الخانة ذاتها لأكاديمية الأحلام.. فذات مساء، استوقفني برنامج تبثه إحدى الفضائيات، يمثل سيدة محتشمة اعتقدتها طبيبة للوهلة الأولى، لأنها كانت تتكلم وتشير إلى مجسم يعادل حجم جسم الإنسان مسطح أمامها على طاولة، ثم تبين أنها اختصاصية في تغسيل الميت على الطريقة الإسلامية ورغم انصعاقي بهذا الموضوع الذي تخصص له الشاشة أكثر من ساعة فإني تابعتها باهتمام، وكانت تشرح بالتفصيل خطوات تغسيل الميت حسب الشريعة الإسلامية.. ولم أتوقع أن يتضاعف ذهولي، حين بدأت السيدة تتلقى اتصالات كثيفة من مشاهدين، يحجزون دوراً سلفاً عند السيدة، كي تقوم هي ذاتها بتغسيلهم حين توافيهم المنية!! وتلقت الإختصاصية بتغسيل الموتى أكثر من عشرين اتصالاً، وكانوا جميعاً يعطونها أرقام هواتفهم وعناوين بيوتهم، وبعضهم يتعهد لها بتحمل تكاليف سفرها لتعبر من بلد إلى بلد!! لم يخطر ببال أحد أن يتساءل ماذا لو ماتت السيدة قبلهم؟ أظن إنه مامن داع لأي تعليق على هذا البرانامج، وأظن أن معد البرنامج أستعار المجسم للجسم الإنساني من كلية الطب.. أسفي على الطب وعلى العلم، ورحمة الله على فرويد ويونغ وغيرهم، ترى ماذا يشعرون لو حضروا برنامج تفسير الأحلام؟ من المعيب أن تخصص برامج وفضائيات لتغييب العقل والتلاعب بالمشاعر، وبيع أوهام للناس.. الناس الذين يحتاجون للصدق وشرف العلم والكلمة.. يحتاجون لقيمين على هذه الفضائيات، يحترمون الإنسان ويقدرون متاعبه النفسية والمعيشية ويحترمون إنسانيته،ولا يكون بالنسبة لهم مصدراً للربح، للربح الفاحش لهذه الفضائيات من بيع الأوهام. |
|