|
هآرتس هؤلاء هم وحدهم (أبطال المخيم ) يبقونهم على مقربة من البيت . ثمة قبور أخرى مهيأة لإيواء جثامين الانتحاريين اللذين لم تسلمهم إسرائيل إلى ذويهم . وفي أعلى السفح بدؤوا , إلى جانب المقبرة المذكورة يعدون قطعة أرض أخرى مخصصة لقتلى الانتفاضة الثالثة . ويعبر رئيس حركة فتح في المخيم محمد الجعفري وهو يجول في المكان عن تفاؤله الحذر قائلاً « نحن لا نريد اندلاع انتفاضة ثالثة , لأن هذا هو الجيل الأخير الذي يمكن صنع السلام معه , لازال هناك بارقة أمل في تحقيق السلام » . ولكن في الوقت الحالي , لا مكان للتفاؤل , الواقعية هي الراجحة . لقد اصطفت حفر القبور تنتظر ساكنيها . لقد أشعل وفاة المعتقل الفلسطيني عرفات جرادات سلسلة من الاضطرابات في الضفة الغربية , شرعت طرح السؤال فيما إن كنا نقف على أعتاب انتفاضة ثالثة . خلال زيارة قمنا بها هذا الأسبوع إلى مخيم الدهيشة وعايدة والعروب , بهدف الاطلاع الرأي العام , سيما وقد شكلت المخيمات الفلسطينية في المواجهات السابقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين رأس الحربة في تلك المواجهات . فقد كان يخرج خلال الانتفاضة الأولى من مخيم الدهيشة , التي تتفاخر بأن الانتفاضة عام 1980 قد انطلقت من عندهم آلاف الشبان إلى محاور الطرقات ويرشقون بالحجارة سيارات الجنود الإسرائيليين وسيارات المستوطنين المتجهة من القدس إلى مستوطنة كريات أربع - وهذا قبل إنشاء شبكة الطرق الالتفافية . وكان الحاخام المتعصب موشيه ليفنغر يقوم بالاعتصام يومياً , يحيط به الجنود احتجاجاً على ذلك . وفي النهاية رضخ الجيش وبنى سياجاً ضخماً يفصل بين المخيم والطريق الرئيسي . ولكن خلال الانتفاضة الثانية خرج من المخيمات العديد من الانتحاريين الذين هزوا مدينة القدس . أما الآن , يبدو أن الحديث عن انتفاضة ثالثة سابقة لأوانها , على الرغم من أن حياة سكان المخيمات مطبوعة بشدة بطابع الصراع مع إسرائيل . على سبيل المثال , على مدخل مخيم عايدة في الضفة الغربية علقوا مفتاحاً ضخماً , عنواناً لمفاتيح البيوت القديمة التي انتزعوها منهم عام 1948 . وعلى المدخل أيضاً رسم أحد أهاليه على الحائط صور ستة معتقلين من سكان المخيم . وفي أحد أزقة المخيم صورة لخريطة فلسطين , وعليها وضعوا أسماء القرى في القدس والمدن الساحلية حيث جاء منها هؤلاء اللاجئين . وضمن هذا الإطار , تعصف خلافات عميقة بين الجيل القديم والجيل الحديث يتعلق بكيفية التعامل مع الوضع الحالي مع إسرائيل . من جانبهم , يعتبر الجيل القديم أن التوجه الدبلوماسي الذي خطه محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية أجدى من المواجهات العنيفة . وفي هذا الصدد يعتبر الجعفري أن « انتفاضة في باريس أجدى لنا من انتفاضة هنا في بيت لحم . خلال السنوات المنصرمة زارنا وتضامن معنا العديد من الأوروبيين , وهؤلاء بدورهم قاموا بنشاطات لدعمنا في بلدانهم حين عودتهم « . ويستشهد الجعفري بكلامه عن الأثر الإيجابي الذي أحدثه إرسال المفتاح الضخم إلى ألمانيا للمشاركة في نشاطات تخص الفلسطينيين هناك . بدورهم تهلل الأجيال الشابة لفكرة المعركة مع إسرائيل . وقد شهد مخيم الدهيشة في مطلع كانون الثاني من هذا العام مسيرة حاشدة احياء لذكرى مرور 48 عاماً على أول عميلة نفذتها منظمة فتح . وخلال تلك المسيرة خرجت الأسلحة في استعراض لها من مخازنها ومن ثم أعيدت إلى مخابئها . وفي مخيم العروب , تصدى الجيش الإسرائيلي لشبان قاموا برشق السيارات المارة على الطريق 60 بالحجارة . بينما يقوم شبان مخيم عايدة برشق الحجارة والزجاجات الحارقة والقنابل اليدوية والعبوات الناسفة نحو منطقة قبر راحيل , القريب من المخيم . على الرغم من أن إسرائيل قامت منذ بضع سنوات بإحاطة القبر من كل الاتجاهات بالأسوار . وأثناء عملية ( عمود السحاب ) الأخيرة تم إلقاء 75 زجاجة حارقة على القبر , وكذلك ألقيت عبوة بواسطة مقلاع على السور المحيط بالقبر والتي أصابت مكان حراسة الجنود الذي كان فارغاً في تلك الأثناء . وبالتالي لم يصب أحد بأذى . وبعدها أضرموا النار بأحد مراكز الحراسة الإسرائيلية هناك . وفي أعقاب تلك الأحداث استقدمت إسرائيل قوات إضافية لتعزيز قوات الحرس في المكان , وتتألف تلك القوات من القناصة من وحدة ( دفدفان ) وجنود من كتيبة نحشون . وحين يبدأ الجنود الإسرائيليون بملاحقة الشبان هناك , يصور الناشطون كل شيء وينشروه على اليوتيوب . ومنذ بضعة أيام حدثت حادثتين دمويتين . في إحداها قام قناص من ( دفدفان ) بإطلاق عيار ناري نحو شاب فلسطيني أصابه في صدره وفي الأخرى أطلقت قوات من لواء كفير عيارات مطاطية على شبان ملثمين , وقد اصابت إحدى تلك الأعيرة طفل , يرقد الآن في حالة الخطر في أحد المستشفيات . وعلى إثر ذلك انتشرت قوات الشرطة الفلسطينية في المنطقة , واستطاعت وقف المواجهات , إما بسبب دفع الرواتب وإما بسبب فعالية تلك الشرطة . ويدعي سكان مخيم عايدة أن الجنود الإسرائيليين يحاولون استفزازهم , على حد ما أكده لنا صاحب بقالية قريبة من المخيم , مثل قيام الجنود الإسرائيليين بإطلاق القنابل الغازية في الهواء دون أي سبب . من أجل استثارة هؤلاء الشبان والرد عليهم بالحجارة , كي يطلقوا بدورهم النار عليهم والدفع بهم نحو انتفاضة ثالثة « وعبثاً يحاول كبار السن إقناع الشبان بعدم جدوى المواجهات . ويعلق الجعفري قائلاً « إن قلت لهم لا ترشقوا الحجارة , يعتبرونك عميلاً ». |
|