تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نتنياهو يرفض....وعباس يتمسك بالسلام

جيروزاليم بوست
ترجمة
الأحد 17-6-2012
ترجمة ليندا سكوتي

من دواعي الدهشة أن يعرب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن استعداده للقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن قامت إسرائيل بتزويد قوات الأمن الفلسطينية بالسلاح وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين.

لقد سبق لعباس أن وضع شرطين للعودة إلى التفاوض مع بنيامين نتنياهو وهما تجميد البناء الاستيطاني والأخذ بما قاله أوباما عن ترسيم الحدود وفقا لخطوط عام 1967 مع تبادل للأراضي يتفق عليه. وأعلن دوما عن تمسكه بهما وأنه لن يحيد عن أي منهما، وكما نعلم أن الفلسطينيين لم يسقطوا أو يتجاوزوا هذين المطلبين اللذين باتا الآن أكثر إلحاحا في ضوء القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية ببناء المزيد من المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية الرئيسة.‏

يؤمن الفلسطينيون بأنه من غير المسوغ الحديث عن قيام دولة فلسطينية دون وقف لبناء المستوطنات لأن الاستمرار في بنائها سيفضي إلى زعزعة القاعدة التي تقوم عليها الدولة الفلسطينية علما بأن هذا الشرط لم يتمسك به الفلسطينيون فحسب بل أن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أيضا طالب به ونصت عليه خارطة الطريق لتحقيق السلام.‏

منذ بضعة أيام ترامى إلى مسامعي أن رئيس طاقم الموظفين إبان ولاية رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون دوف ويسغلاس قال لوزير الخارجية الهولندية في مأدبة غداء خاصة بأن الفلسطينيين قد أوفوا بالتزاماتهم المبينة في خارطة الطريق في حين لم تبادر دولة إسرائيل إلى تنفيذ ما طالب به بوش. وهكذا فمن وجهة النظر الفلسطينية فإن إسرائيل لم تف بالالتزامات المطلوبة منها عام 2003 الأمر الذي يفقد الفلسطينيون الثقة بأن الإسرائيليين سيفون بالتزاماتهم في إطار مفاوضات جديدة يمكن أن تجري في عام 2012 ، لكننا نأمل بأن تشكل الصيغة الجديدة التي اقترحها آلان ديرشوفيتز المحاضر في جامعة هارفارد عاملا يساعد في معالجة هذا الموضوع حيث نصت على إلزام إسرائيل بتجميد الاستيطان خلال إجراء المفاوضات التي ستبقى مستمرة لغاية الاتفاق بين الطرفين على ترسيم الحدود.‏

من المعلوم بأنه كان ثمة اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين على حرية بناء المستوطنات في الأراضي التي ستلحق بالدولة الإسرائيلية وبتقديري فإن ذلك يحمل الكثير من المعاني، وتلك الفكرة ليست الوحيدة التي تبناها ديرشوفيتز. أما فيما يتعلق بمطالب عباس الجديدة فإنها ستلقى معارضة الكثير من الإسرائيليين الذين دأبوا على القول «أعطيناهم البنادق فأطلقوا النار علينا منها».‏

إن القول بأن إسرائيل لم تزود الفلسطينيين ما يحتاجونه من أسلحة كلام يفتقر للدقة لأن إسرائيل هي من وافقت على أن يكون للفلسطينيين قوات أمن وشرطة من أجل محاربة الإرهاب ومحاربة المتطرفين في الداخل، وكي تحقق الالتزام باتفاق أوسلو الذي نص على توفير الأمن مقابل الأراضي.‏

يقوم منطق أوسلو على أن تنسحب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية وتسلمها للفلسطينيين الأمر الذي من شأنه أن يضمن أمن إسرائيل عبر محاربتهم للإرهاب، ووفقا لمفهوم الفلسطينيين فقد كان من المتعين أن يستلموا ما يناهز 90% من مساحة أراضي الضفة الغربية قبل الذهاب إلى المحادثات حول الوضع النهائي وهم يرون بأن إسرائيل تراجعت عن وعودها بالانسحاب على الرغم من أن الفلسطينيين يشعرون بأنهم وفروا الأمن لأولئك المستوطنين الذين سلبوهم أراضيهم ولهذا انهار منطق أوسلو وكانت قوات الأمن الفلسطينية أول من استخدم الأسلحة ضد إسرائيل التي وافقت على حملهم لها.‏

منذ ذلك الحين أريقت الكثير من الدماء وحلّ الدمار خاصة بعد أن استخدمت إسرائيل القوة المفرطة إبان عملية «السور الواقي»، وفي تلك الفترة توفي عرفات وجاء من بعده محمود عباس الذي ورد في برنامجه الانتخابي بأن التسلح تسبب بكارثة إبان الانتفاضة الثانية وقد ظهرت الإيديولوجية السياسية التي يتبناها عباس والتي تقوم على السلام مع إسرائيل عن طريق الوفاء بالتزامات خارطة الطريق التي تنص على تفكيك البنية التحتية للإرهاب في الأراضي الواقعة تحت سيطرته.‏

ليس ثمة شكوك بين المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بأن عباس قد أوفى بالتزاماته وأنه خلق بيئة جديدة في الضفة الغربية حيث عمد إلى جمع الأسلحة وتسليمها إلى إسرائيل وأقال مئات المسؤولين الأمنيين الذين لا يدينون بالولاء لسياسته الجديدة. كما وأنه تقدم بخطة «اقترنت بتأييد أميركا وأوروبا» تهدف إلى تدريب ضباط الأمن الجدد ونشرهم في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وفي هذا الأسبوع ورد في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن قوات الأمن الفلسطينية قامت بحملة اعتقالات في نابلس لعدد من مهربي الأسلحة وغيرهم من المجرمين على الرغم من أن البعض منهم يعمل لدى السلطة الفلسطينية. وأن القانون والنظام أصبح سائدا في الضفة الغربية، ومن المؤكد أن الفلسطينيين لا يفعلون هذا حباً بإسرائيل بل أنهم يحاولون محاربة الإرهاب لأنهم يعلمون جيدا بأنه سيكون سببا في تدميرهم إن لم يفعلوا ذلك.‏

منذ أمد قصير أخبر عباس نتنياهو بأنه يتعذر عليه نشر لواءين جديدين من القوات التي دربتها الولايات المتحدة لأنه لا يملك أسلحة يزودهم بها إذ لا يوجد لديه سوى بندقية واحدة لكل 12 من قوات الأمن الفلسطينية، الأمر الذي يحول دون تنفيذ القوات للمهام الملقاة على عاتقها إن لم تزود بالسلاح والمعدات اللازمة لها. وقد أسرّ لأحد معارفه بأنه يستطيع تهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية بسهولة ويسر، كما وذكر بأن العصابات الإجرامية الإسرائيلية على استعداد لتزويد الفلسطينيين بالأسلحة لكنه لن يقدم على التعامل معها وأكد بأنه لن يقدم على شراء أي كمية من الأسلحة إلا بعد موافقة إسرائيل والتعاون معها في هذا المضمار. ويقول كلامه هذا على الرغم من المواقف التي اتخذتها الحكومة تجاهه لكن مع ذلك مازال يعلن على الملأ التزامه بالسلام مع إسرائيل.‏

لقد سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بأن وعد عباس بالإفراج عن 131 معتقلا في السجون الإسرائيلية قبل إقامة الدولة الفلسطينية ووعده أيضا بإطلاق عدد من السجناء يفوق عددهم ما يُفرج عنه في صفقة شاليط. لكن الواقع أكد بعدم إيفائه بوعده.‏

إن كانت إسرائيل ترغب بالتفاوض لتحقيق السلام فذلك أمر جدير بالاهتمام لكن أليس من الأجدى لها أن توفي بوعودها السابقة؟ لكن علينا أن نستذكر الشعار الذي رفعه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو:«اعطوا وخذوا، أما إن لم تعطوا فلن تأخذوا شيئا».‏

 بقلم:جيرشون باسكن‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية