|
فضاءات ثقافية
كما هو يختلف عن الكتب النّظريّة التي خصّصت لتحليل الحرب فلسفيّاً مثل تلك التي ألّفها كلّ من كلاوسفيتز، وهوبس، وهيغل. فقد سعى مؤلّفه الذي كان قد درس الفلسفة الألمانيّة في سنوات شبابه، أن يتناول موضوع الحرب من خلال تجاربه اليوميّة في ميدان المعركة، ومن خلال العلاقات بين الجنود. وكان جيس غلين غراي المولود عام 1913 والمتوفي عام 1977, قد التحق بالجيش عام 1941 أي في نفس السّنة التي أعلنت فيها بلاده الحرب على ألمانيا النّازيّة ومساندة بريطانيا وفرنسا. وقد أمضى سنوات الحرب المريرة متنقّلاً بين إيطاليا وفرنسا وألمانيا حيث كان مكلّفاً بالكشف عن الجواسيس المعادين للحلفاء وإبطال مخططاتهم وفضح مؤامراتهم. وخلال ذلك انشغل بتدوين ملاحظاته وأفكاره وآرائه حول تجاربه الخاصة وحول تجارب الآخرين أيضاً. وذلك ما سوف يشكل مادة الكتاب فيما بعد. وفي كتابه، يدين جيس غلين غراي بشاعة الحرب متوقّفاً عند أهوالها وجرائمها، وفي نفس الوقت هو يسعى إلى إقناعنا بالجوانب الجمالية والإيجابية فيها وتلك الجوانب هي التي تجعل الجنود والضباط وكبار الجنرالات ينجذبون إليها وبها يعجبون حتى وإن كانوا يكرهونها وينفرون منها. لذلك يتحدّث البعض من هؤلاء وهم في قلب المعركة أو بعد نهايتها عن “اللّحظة الشعريّة” في حياتهم! وقد عبّر الجنرال الأمريكية الجنوبي روبرت أي. لي عن افتنانه بالحرب قائلاً: “من حسن الحظّ أنّ الحرب مرعبة للغاية وإلاّ كنّا فتنّا بها واستمتعنا بمشاهدها». ويعترف جيس غلين غراي أنه وجد المتعة أكثر من مرّة وهو في قلب المعركة، أو تحت قصف الطائرات أو وهو يشاهد الجنود وهم يقاومون بشدة ويموتون بشجاعة ويتبادلون الطرائف تحت وابل من الرّصاص والقنابل، ويهبّ كلّ واحد منهم لنجدة الآخر إذا ما جرح! ومن خلال تجاربه هو اكتشف أنّ مشاعر الأخوّة بين الجنود تحضر بقوّة عند احتدام المعارك فتضمر الأنانيّة، ويصبح كلّ جندي نصيراً للآخر وأخاً له في السراء والضراء. وبحسب جيس غلين غراي، تبرز الحرب أيضاً الرّغبة الجنونيّة لدى الإنسان في التّدمير والقتل. وهو يفعل ذلك بمتعة كبيرة: “كلّ واحد شاهد جنود المدفعيّة في ميدان المعركة، أو هو نظر في عيون الجنود الخارجين للتّوّ من معركة شرسة ودامية، أو أنه درس المواصفات التي يقدّمها الطيّارون عن مشاعرهم وهم يقصفون الأهداف المكلّفين بقصفها سيجد في النّهاية أنه من الصّعب عدم الإقرار بأنّ هناك متعة في التّدمير والقتل». |
|