|
ثقافة عندها أدركت أنني أمام كاتب دمشقي عريق يحكي عن الحياة الشامية البسيطة عن الحارة والشارع ووسائل النقل، ينقلها بصورة شفافة وواقعية دون الدخول في التزويق والتنميق،فتنساب إلى النفس بسهولة،وكنت سعيدا عندما التقيت «أبو شنب» في مناسبات عدة،وآخرها عندما كان يأتي إلى جريدة الثورة ويزودنا بذكرياته عن مشاهير الفنانين والمثقفين.
ومما اعتز به حوار مطول عن حياته،أختار أن يكون في بيته،وكان يتحدث بكل أريحية وهو يداعب أحفاده. كان ذلك في عام 2004 ونشرت الحوار في مجلة (فنون) وكانت هناك أحاديث جانبية لم تنشر، ولاسيما أنها خاصة،لكن وجدت من المناسب نشرها الآن،لأنني وجدت أن بعضاً من كتبوا عن الراحل، اجتهدوا فصور لهم خيالهم عكس الحقيقة ولا سيما فترة الفتوة في حارته الدمشقية العريقة، كما وجدت من المناسب تثبيت مواقفه في الوقت الراهن. لقد ذكروا مثلا أن (أبو شنب) ولد في عام 1931 في حي القيمرية بدمشق وعاش في وسط فقير،ما يوحي أنه من عائلة فقيرة،لكن الحقيقة أن القيمرية كان من الأحياء الدمشقية الراقية وتقطن فيه عائلات شهيرة من الصناعيين والتجار ولا يزال حي القيمرية يضم كثيرا منها. وقد ذكر لي أنه عانى قليلا بسبب قصة عائلية هي بيت القصيد في هذا الموضوع. كان والد أبو شنب من كبار التجار وبسبب موقف بينه وبين والده أراد عادل أبو شنب أن يكون عصاميا ويعتمد في معيشته على نفسه وليس على أموال والده،وهناك فرق كبير بين الفقرـ وهو ليس عيبا وبين العصامية. وتفاصيل الحكاية أننا تذاكرنا الأصول العائلية وسألني إذا كنت من أقارب العقيد قاسم الخليل قائد موقع ضباط دمشق في النصف الأول من الخمسينيات،أجبته بنعم،لكن والد زوجتي من حيكم (القيمرية) هنا قال أبو شنب،أنا أيضا أمي من القيمرية لكن والدي ليس من دمشق. وأحببت أن استوضح هذه النقطة من قبيل الفضول،لأنني أعرف أن آل (أبو شنب) عشيرة كبيرة موزعة بين الجزيرة العربية وبعض أقطار الشام (الأردن وفلسطين). وذكر أبو شنب أن والده سعودي وكان يعمل في نقل البضائع بين بلاد الشام والجزيرة العربية، وكان يتنقل في إقامته بين البلاد حسب متطلبات عمله. وقد رغب في فترة أن يقيم في منطقة وسطى بين الجزيرة والشام فأقام في معان بجنوب الأردن، وطلب أن تلحقه أسرته الدمشقية،لكن عادل أحب دمشق ورفض أن يفارقها ولا سيما أنه أراد أن يتابع دراسته فيها. والمهم في القصة أن والد عادل عاد إلى السعودية بعد انتهاء الحركة التجارية بواسطة القوافل، وظهور وسائل النقل السريعة،وطلب والد عادل أن يلحق به،لكن عادل كان مصرا أن يبقى في دمشق التي شهدت طفولته وصباه،في وقت بدأ يسير فيه بخطوات مهمة في عالم الأدب والصافحة والإذاعة. وهدده الوالد بالحرمان من الميراث إذا لم يلحق به،فسافر إليه شقيقه الأكبر (محمد) وبقي عادل في دمشق. وما حدث هو الأكثر إثارة بعد ذلك، فمورده من الصحافة والإذاعة ثم فيما بعد الدراما التلفزيونية بشقيها البرامجي والدرامي، أغناه عن الميراث، بل وأتاح له شراء بيت في أرقى أحياء العاصمة وهو حي أبو رمانه،بل أكثر من ذلك كان بيته قرب بيت السفير السعودي بدمشق. وذكر أبو شنب في حوار له أنه عندما أصبح صحفيا وإذاعيا محترفا كان يتقاضى راتباً يضاهي راتب وزير. ومن المهم أن نذكر أيضا أن عادل أبو شنب كان صاحب موقف بامتياز وهو ما كان يسبب له مشكلات على صعيد العمل الصحفي. فمن المعروف أنه ترأس تحرير القسم الثقافي في جريدة «الوحدة» الرسمية في عام 1959، وبقي فيها أيضا رئيساً للقسم الثقافي عندما أصبحت جريدة «الثورة» بعد ثورة آذار 1963،كما تولى رئاسة القسم الثقافي عند تأسيس جريدة تشرين في عام 1974. وقد حدثني أنه اصطدم مع المسؤولين وبعض الوزراء أحيانا عدة مرات في هذه الصحف من أجل زملائه الذين يعملون معه،وكانت المشكلة الأخيرة عندما طلبوا منه التشدد في نشر زوايا محمد الماغوط عندما كان يكتب زاوية في الصفحة الأخيرة في جريدة تشرين وقال لهم آنذاك::إما نشر زاوية الماغوط أو أن أترك العمل في الصحيفة،وعندما حجبت زاوية الماغوط ترك العمل في الصحيفة. تلك صفحات ربما يعرفها بعض المقربين منه لكنها لم تنشر من قبل وحان نشرها الآن بعد غياب صاحب القلم والموقف. |
|