تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وضاح السيد.. في معرض لــوحاته الحديثة... تنويعات الرؤى الحلمية والهاجس الروحاني

ثقافة
الأحد 17-6-2012
أديب مخزوم

الإطلالة الجديدة للفنان وضاح السيد في دمشق نظمتها غاليري كنبة، من خلال معرض تضمن مجموعة من لوحاته الكبيرة والمتوسطة والمشغولة بمادة الاكريليك، مع طغيان درجات اللون الرمادي،

وبروز لمسات اللون المعدني الفضي والذهبي. والمعرض يشكل خطوة متواصلة مع مجموعة المعارض الفردية (حوالي 14 معرضا فرديا) اقامها منذ مطلع التسعينات، وعكس من خلالها رؤيته التعبيرية الاسطورية الحالمة للواقع والحياة في الشرق والغرب معا.‏

مجريات الأحداث‏

ومن الناحية التشكيلية والتقنية يعمل في هذا المعرض على تصعيد وتوضيح خطه أسلوبه الخاص، الذي توصل اليه بعد سنوات طويلة من الجهد والبحث والسهر الطويل والمثابرة على الانتاج والعرض،حيث قدم في معارضه الفردية والمشتركة، التي أقامها منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، لتمتين علاقة لوحاته بالموضوعات الإنسانية، وبالأجواء الزخرفية المتحررة، والمناخات اللونية الرمزية، والعلاقات التشكيلية التلقائية، في حركاتها المتنوعة والمتدرجة بين الوهج والتعتيم، وبين الواقع والتجريد للوصول إلى مايثير الجدل والنقاش في أوساط المتابعين والمهتمين والفنانين وغيرهم.‏‏

ويشكل المعرض من الناحية الثقافية اطلالة جديدة للرؤى الروحية، التي سبق وطرحها وضاح السيد، في كتابه «التقنيات الروحية لتعلم الرسم» والذي يحتوي على لمحة تعريفية عن مسيرته الفنية،وشهادات لبعض النقاد والإعلاميين في أعماله، كما يتضمن نماذج من لوحاته وأعماله التصويرية، ويساهم في إلقاء الضوء على جماليات اللوحة الحديثة، من خلال نصوصه التوضيحية، مع الإشارة إلى أن الكتاب قبل كل ذلك، يسد ثغرة في مجال الكتب المعدة لطلاب الفنون، وفيه يقدم شروحات وافية مرفقة، بمراحل أو بخطوات إنجاز اللوحة الفنية بوسائل وتقنيات مختلفة ومتنوعة.‏

فالبعد الروحي للوحة الذي سبق واختاره عنوانا لكتابه السابق، يشكل في هذا المعرض،منطلقا لبحثه التشكيلي والتقني، وهذا الهاجس الروحاني فرض عليه، ومنذ سنوات طويلة، استخدامات لونية معدنية (ذهبية وفضية وسواهما) وهذه الألوان ارتبطت على مر العصور بالقداسة وبالتصوف وبالفنون الدينية.‏، اضافة الى لوحات اخرى،تجسد برمزية حزينة مجريات الاحداث الراهنة، وكوابيس العيش وسط متاهات الاحلام الضائعة واشباح الموت.‏

تحضر المرأة والطبيعة واحيانا الحصان، كمفردات تعبيرية وجمالية في لوحات المعرض، فالمرأة قد تظهر منفردة أو مجتمعة في اللوحة الواحدة، وقد يحتل وجهها، المتداخل مع عناصر الطبيعة كامل مساحة اللوحة، أو تظهر في لوحات اخرى بطريقة التتابع البانورامي الذي يفرضه احيانا الموضوع المطروح كراقصات الباليه.‏

ايقاعات البياض‏

ولون البشرة في لوحاته لايأخذ لونه الطبيعي او الحقيقي وقد يصل الى حدود البياض الكلي، في أماكن متفرقة، الشيء الذي يساهم، في تفعيل الحوار «الكونتراستي» في فضاء اللوحة، بين الاماكن المعتمة وبؤر الضور الساطعة، والذي يعيدنا مرة اخرى الى الاجواء الروحانية أو النورانية. وثمة حالة يجب الالتفات اليها و تكمن في التداخل الحاصل بين الطبيعة والمرأة والحصان والزخرفة العفوية المتحررة، التي ينشرها في اماكن مختلفة من اللوحة، لتحقيق درجة من التوازن البصري المطلوب، حتى ان الشجرة الرمز تتشكل في احدى لوحاته المعروضة على هيئة عاصفة من الأجسام المتجهة في حركة لولبية تصاعدية الى السماء، كإشارة مرة اخرى الى رغبة الآنعتاق والتوحد والانطلاق في آفاق روحانية رحبة.‏

وفي بعض اللوحات نجد ما يشبه فسحات الارض واشكال الصخور، مع اتجاه لتغييب الصياغة الواقعية التقليدية، والإبقاء على روحها العناص والاشكال فقط، ويزداد هذا الشعور كلما ذهب بألوانه نحو العفوية، وإبراز اللون الرمادي والمعدني، وتقديم زخارف انفعالية، وهو حين يعمل على تحويل الصورة الواقعية إلى رموز تشكيلية عفوية، تتكرر من لوحة إلى أخرى، فإنه يعكس هواجس شاعرية وغنائية، مرتبطة بجماليات اللوحة الحديثة والمعاصرة، وهذا يفتح الباب على مصراعيه أمام التحليل والاجتهاد والتأويل اللامحدود.‏

سمات ودلالات‏

ويبدو وضاح السيد مرتاحاً في استخدام ألوان الإكريليك، بل يبدو أكثر تحكماً بإبراز تداخلات هذه المادة اللونية و اظهار إضاءاتها وحركاتها المأخوذة بنورانية الشرق، وبروحية الإبقاء على التأليف العفوي والعقلاني بآن واحد. فهو يختصر الأشكال والعناصر و يجعلها متداخلة مع مساحات المشهد الطبيعي، الذي يشغل في احيان كثيرة كامل مساحة اللوحة. ومن الناحية التقنية يتعامل مع الألوان، من خلال إبراز سماكاتها ودلالاتها المرتبطة بالأسطورة وبطقوسها.‏

هكذا تبرز تنويعات التداخل الميثولوجي بين عناصر المرأة ووجهها وأطرافها وملامح الحصان والحقل والشجرة والقمر.. وهنا تتجلى حركة الإشارات الميثولوجية، في خطوات العودة إلى منابع الحضارات القديمة، لصوغ الرؤى التشكيلية المحدثة. فالبحث عن مناخات عفوية وتلقائية لعناصر الطبيعة والأشكال الإنسانية والحيوانية وغيرها، شكل في لوحاته الجديدة هواجس لاختبار الإيقاعات التشكيلية المتداولة في الفن الحديث، والقائمة على إلغاء الثرثرة التفصيلية، وإعطاء أهمية قصوى للإيقاع اللوني، والإبقاء على جوهر الحركة العفوية التي تجسد روح الشكل الواقعي، بعد إزالة تلافيف قشوره الخارجية.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية