تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ماذا بعد لجنة تقصي الحقائق في غزة؟

شؤون سياسية
الأثنين 20-7-2009م
د. عيسى الشماس

كثيرة هي الوفود الرسمية والشعبية والموفدون والمبعوثون ، الدوليون والأمميون، الذين زاروا غزة بعد العدوان الإسرائيلي الوحشي في مطلع العام الحالي،

وشاهدوا بملء أعينهم الدمار والخراب والتهجير الذي حل بمؤسسات غزة وسكانها، سواء في الأبنية السكنية أم في المؤسسات الإنسانية من المشافي ودور العبادة أم في المدارس بما فيها مدارس الأونروا التابعة للأمم المتحدة، وتكوَّن لدى هؤلاء جميعهم صور واضحة عن الجرائم التي ارتكبها مجرمو الحرب الصهاينة بحق غزة وشعب غزة، فبعضهم أدان وبعضهم استنكر، وبعضهم الآخر كان أكثر جرأة إذ طالب بالتحقيق ومعاقبة المجرمين.‏

فهذا ممثل الأونروا يدين العدوان الوحشي على غزة ويفند مزاعم إسرائيل ويحمّلها مسؤولية قتل الأطفال بالجملة، وتدمير البيوت على أصحابها ، والقصف المتعمد للمؤسسات الإنسانية بما فيها المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، وهذا منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، السيدخافيير سولانا يزور غزة ويّطلع على ما أصابها جراء العدوان الإسرائيلي، ويدين بشدة هذا العمل الوحشي، وهذا هو الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر يقف على أطلال غزة مقابل مؤسسة الأونروا ويدهش لما يراه فيحبس دموعه، ويدين بشدة هذا العمل الوحشي الإجرامي، ويعبر بكلام وجيز عن تأثره بالمشهد الفظيع الأليم: إن إسرائيل لا تعامل الفلسطينيين في غزة كبشر، بل كحيوانات. وثمة وفود من دول عديدة، زارت غزة وعبرت عن إدانتها واستنكارها، وطالبت بإنهاء العدوان وتقديم المساعدات العاجلة إلى سكان غزة.‏

ولكن ذلك كله لم يجد آذانا صاغية لدى العدو الإسرائيلي، ولا أعيناً ترى حجم الدمار الذي خلفه عدوانه، بل على العكس من ذلك، كان يتحين الفرصة تلو الأخرى ليزيد من وحشية عدوانه قتلا وتدميرا غير عابئ كعادته بالنداءات الدولية والمطالبات الإنسانية، بإنهاء العدوان، وفك الحصار عن غزة بفتح المعابر وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، لإعادة الإعمار وتوفير الأمن ومستلزمات الحياة الطبيعية لقطاع غزة، لا بل يعمد على منع وصول هذه المساعدات من أي جهة كانت، واخرها القيام بقرصنة بحرية في 29/6/2009 لمصادرة سفينة المساعدات الآتية من قبرص باسم روح الإنسانية التي تحمل مساعدات طبية وغذائية قدمتها مؤسسات إنسانية وتبرعات فردية من أشخاص آخرين متطوعين.‏

وها هي لجنة تقصي الحقائق الدولية التابعة لمنظمة حقوق الإنسان، تزور غزة للمرة الثانية بعد زيارتها الأولى في مطلع حزيران الماضي، وتجري جلسات متتالية لسماع أقوال شهود عيان على جرائم العدو الصهيوني في اجتياحه الأخير لقطاع غزة.‏

لقد اتهمت رئيسة لجنة التحقيق هيومن ووتش في تقرير لها، إسرائيل بقتل مدنيين فلسطينيين في هجمات صاروخية من الطائرات.. وأضافت: إن إسرائيل أخفقت في إجراء تحقيقات ذات مصداقية عن عملها العسكري في أثناء حربها الأخيرة على غزة.. ولكن الجيش الإسرائيلي يرفض ما جاء في تقرير هيومن ويعتبره دعاية فلسطينية.‏

وإذا كانت لجنة تقصي الحقائق ستقدم تقريرها النهائي إلى الجمعية العامة التي ستجتمع في دورتها العادية، في شهر أيلول المقبل وسيأخذ ربما وقتا طويلا من النقاش، وربما تصل الجمعية إلى قرار يعاقب إسرائيل أو يطالبها بالتعويض عما سببته جرائمها في غزة، وربما لا تصل إلى هكذا قرار، وستكتفي بالإدانة والاستنكار.‏

والسؤال الذي يمكن أن يطرح: هل سيبقى الوضع المأساوي على حاله في غزة، بعد مضي أكثر من ستة أشهر على الحرب الوحشية وهو يعاني الحصار والتجويع والتهديد بين الحين والآخر أمام مرأى العالم أجمع؟ وعلى افتراض أن المؤسسة الدولية توصلت إلى قرار بمعاقبة إسرائيل ومطالبتها بدفع التعويضات اللازمة لسكان غزة، فهل ستكون هناك صيغة تنفيذية ملزمة أم ستكون هذه القرارات كمصير سابقاتها، حبراً على ورق ، لا تعيرها حكومة الكيان (الصهيوني) أي أهمية، بل ترفضها وتعتبر نفسها غير معنية بها، من دون محاسبة؟. وهذا من طبيعتها المتمردة على الشرعية الدولية التي أسهمت في وجودها وبلورة كيانها..‏

الشهود موجودون، ليس في غزة فحسب بل في العالم أجمع ، والحقائق دامغة لالبس فيها، فهل تأخذ العدالة الدولية طريقها إلى التنفيذ ولو لمرة واحدة، وتنصف الشعب الفلسطيني المحاصر المظلوم الذي يعيش مرارة الاحتلال الاستيطاني والعدوان الوحشي منذ ما يقرب من سبعة عقود..؟!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية