تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دبـــلومـــاســـية الــنار بين طــهران وتــل أبيب

شؤون سياسية
الأثنين 20-7-2009م
الدكتور نسيم الخوري 

وكأن المطلوب أن تبقى دبلوماسية النار قائمة بين تل أبيب وطهران فتبقى أميركا كليمة أبدية لإسرائيل لا يحق لها حتى وشوشة طهران أو غيرها في الشرق سوى عبر قسمات زعماء إسرائيل القاسية جدا هذه الأيام

في زمن الارتخاء العربي الذي لانقول إنه سيحسم السلام في صراع متقلب متلون قد يكون أبديا، لكنه قد يساهم في نسج احتفال دولي يتقاطر إليه ملوك ورؤساء العالم لإطلاق ورقة تأسيس دولة فلسطينية مرسومة فوق ورقة ليس أكثر ترفع أمام الشاشات لتبقى الجروح منفتحة إلى آخر الأجيال في ديار العرب والمسلمين .والأسباب؟‏

املؤوا أزمنة الفراغ بالكلمات التي ترونها مناسبة حول العرب والعالم! سبب هذا الكلام؟ مثلث أميركا إسرائيل وإيران بالطبع أو الدبلوماسيات المعقدة التي لاندرسها في الجامعات ولا يمكن إدراجها في القواميس التقليدية الدبلوماسية حيث يختلط الفجور الإسرائيلي بخيوط القطن الإيرانية بتبدل الشعارات الأميركية بما يجعلنا نسقط أي علم.‏‏

تسهر آذان الأقاليم والدول في الشرق الأوسط، إذن كما تركز عين الغرب الانتباه أكثر فأكثر على الأفق الإيراني الإسرائيلي الملبد بمخاطراندلاع الحرب. فقد تغير المشهد المعقد في داخل طهران أو تم تجاوزه وتحول إلى غواصة دلفين النووية الإسرائيلية من بين ثلاث عبرت قناة السويس حاملة رسائل ردعية في مختلف الاتجاهات لكل جهة تفكر في التصدي لأي تدخل إسرائيلي في أي حرب ربما تنشب بين إيران وإسرائيل.‏‏

وسواء أكانت هذه المخاطر حقيقة أم وهما فإنها جاءت مشفوعة بمقولة جون بايدن نائب الرئيس الأميركي الذي اعتبر بشكل قاطع عدم تمكن دولته من أن تملي على دول أخرى ما عليها القيام به، ما يعني شد عضد بنيامين نتنياهو بإمكان توجيه ضربة عسكرية إلى إيران لأنه لن يسمح لطهران بامتلاك السلاح النووي، وهنا سؤال عرضي ملح: عجبا لماذا يظهر نائب الرئيس الأميركي دائما مناصرا راديكاليا لإسرائيل في الأوقات الحرجة جدا فيبدو في ازدواجية الخطاب متناقضا أو على مسافة ما مع رئيسه الأميركي؟ فقد جاهر الرئيس الأميركي من موسكو أن لا ضوء أخضر أميركيا لمهاجمة إيران، وقد لا نكون محونا من ذاكرتنا بالطبع المواقف والأدوار التي لعبها نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني بهدف شحن الرؤوس الأميركية والقيادية في العالم وتحريضها على إيران وتظهيرها ضلعا دسما في محور الشر يفترض عزله وحصاره.‏‏

ولنعد إلى المخاطر عندما يقرع الباب، عندما يقرع الباب أي باب، إذاً خطر خارجي، تتراجع المخاطر والنزاعات الداخلية كلها أو تؤجل، وتتحول الأمم نحو الخارج الذي يصبح في خطوطه العريضة واضحا وفي دائرة الضوء.‏‏

هل يصح هذا القول في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية؟‏‏

الجواب الأفقي: كانت إيران، ومازالت إلى حد كبير مشغولة بالانتخابات الأخيرة وتداعياتها بحيث افتقد الكثير من اللاعبين في الداخل وبعض الخارج العربي والإقليمي إلى بوصلة الاستدلال إلى وجهتي الشرق والغرب والداخلين والخارجين في عصر الاتصال «القتالي»، نعم القتالي، وتساقط الحدود والجدران ولو الوهمي بين الدول والشعوب إلى اختلاط الإيديولوجيات وتداخلها مع التحولات الجيوسياسية المستجدة التي قد تتجاوز مرحلة الغليان الديني الطائفي التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، ولاسيما بعد إعلان تحولات أميركا وخطا أوباما نحو الطاولات المستديرة في علاقاته مع دول العالم بعدما كانت دولته هي العالم.‏‏

بهذا المعنى، تنفست إيران عندما حبست الغواصة أنفاسها عبر قناة السويس متوجهة نحو الشرق، لأنها تعرف أن الرئيس السوري يدعو أوباما إلى زيارة سورية وهو سيفعلها كما يرشح بعدما زار تركيا والسعودية ومصر وناغش إيران في عيد النوروز، وطالب بضرورة الحوار معها حول مجمل القضايا العالقة بما فيها أسلحة الدمار الشامل، وزار روسيا وتباحث معها حول إيران وسورية واسرائيل والعرب ومجمل الملفات الكبرى.‏‏

لكن مهلا! ماذا يعني هذا الأمر؟ يعني أن أميركا باتت مثل قطر أو أي دولة أخرى منفتحة على العالم. كيف؟‏‏

هناك ظاهرة(الانفتاح على الجميع) هي عنوان الملاحظة الشديدة الأهمية التي يمكن للباحث أو المراقب أن يسجلها أو يفترضها كلازمة ضرورية معاصرة في العلاقات التي تحكم الدول واستراتيجياتها كما تحكم الأفراد أيضا. وبهذا المعنى يمكننا أن نسوق أسماء الكثير من الدول في العالمين الأول والثاني لطالما لم يعد هناك من عالم ثالث ، كما نسوق مجمل الدول العربية وغير العربية التي تعتمد دبلوماسية المصالح والانفتاح على الجميع، وبهذا المعنى أيضا، هناك الكثير من المسائل الشائكة التي يمكن أن تتحدث فيها الولايات المتحدة الأميركية مستقبلا إلى طهران مثل العراق والمخدرات وأسلحة الدمار الشامل وغيرها الكثير، وأهمها إسرائيل ومستقبل فلسطين.‏‏

الجواب العامودي يجعل العلاقات الإيرانية الإسرائيلية عالما تكتنفه الألغاز الغامضة على الرغم مما للنزاعات أو التوترات التي تحدث بينهما من كبير تأثير على الشرق الأوسط كله والأمن القومي للولايات المتحدة والعالم. فعلى حين كان الانصباب كاملا في مجمل الأوراق والمبادرات والمحاولات السلمية والتسويات على الصراع العربي الفلسطيني كمفتاح للسلام في الشرق الأوسط، مع التقليل من أهمية العلاقات المعقدة بين إيران وإسرائيل فإن هذه العلاقات الزئبقية التي دوخت الخبراء والمحللين وجعلتهم يحجمون عنها، باتت تتقدم كمعطى أساسي، وخصوصا في لبنان وفلسطين، عند إعادة التفكير بصب أي مفتاح جديد يصلح لفتح الأبواب في الشرق الأوسط.‏‏

منذ عقود ثلاثة وأميركا بالنسبة لإيران هي الشيطان الأكبر الذي يحضن في رأسه إسرائيل الشيطان الأصغر، وإيرانبالنسبة لأميركا هي دولة الشر، وفي المثلث العربي الإسرائيلي الإيراني هناك المقاومون والمعتدلون والمتطرفون والتسوويون والمتشددون والإصلاحيون، وهناك تكمن التحولات الكبرى التي تجعل إيران تتذكر في عزلتها القسرية قرونا من الاعتداد بقوتها ودبلوماسيتها المخفية تحت عمامة طهران، بينما تجعل إسرائيل ترتعد من تضاعف عزلتها إذ يشيع الحوار الذي لطالما جهدت لتفشيله بين أميركا وطهران، فلا تجد لمنعه سوى التهويل بالبندقية أو بالغواصة نحو طهران كما نحو واشنطن، نعم واشنطن كي لا تخون أميركا ربيبتها الدهرية إسرائيل، وهذا نوع من الانتحار الواسع الجماعي في كلا الخيارين.‏‏

 باحث سياسي وأستاذ الإعلام سياسي في الجامعة اللبنانية‏‏

drnassim @hotmail.com ‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية