تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الريفية متجذرة في العطاء .. وهـــذه المـــرأةإحــــدى نسائنـــا المبدعــــات

مجتمع
الثلاثاء 14-7-2009م
سمر رقية

منذ الأزل أدركت المرأة الريفية طبيعة الدور الذي تقوم به، فهي المرأة المعطاء بلا حدود ولا تنتظر مقابلاً أو أجراً، تتقن و تجيد عملها لحد العبادة.

أدركت باكراً معنى التشاركية في تقاسم هموم الأسرة التربوية والاقتصادية مع الزوج أو بدونه، دون أن تتلقى دورات في ذلك، وأحياناً كثيرة دون حمل شهادات عليا أو حتى شهادة محو أمية، وعت بالفطرة ما معنى تمكين نفسها أولاً و أسرتها ثانياً اقتصادياً واجتماعياً.‏

فهي تشارك الرجل بكل شيء لا بل تعمل أكثر منه، أحيانا في الحقل إلى القيام بشؤون أفراد الأسرة كافة إلى مهمة تدريس الأبناء حتى و إن كانت أمية فهي لا تلبث أن تحث وتشجع الابن للدراسة، بوسائل بسيطة وذكية تنم عن ذكاء فطري عفوي.‏

في هذه المادة سأتناول الحديث عن العطاء والحب والإبداع من خلال تجربة السيدة جمانة حرفوش من قرية المقرمدة بريف طرطوس هذه السيدة التي جسدت كل معاني العطاء والتضحية والمحبة للوصول بالأبناء إلى شط الأمان، بحبها العميق العودة إلى الطبيعة، أصل الحياة والإنسان ما أن تدخل عتبة دارها، سرعان ما تستقبلك صواني الزعتر و الزوفا و الشوفان والورد الطبيعي، و سيدة متقدمة بالعمر تصفف أوراق الدالية لمؤونة الشتاء، فمن يزر منزل السيدة جمانة، كأنما زار الطبيعة واطلع على مختلف نباتاتها و أعشابها الطيبة و العطرية بالإضافة إلى التراث الأصيل الذي جمعته تلك السيدة.‏

واذ حق لي وصفها فهي خليط صافٍ من الحب والعمل الصادق، جمانة حرفوش إمرأة- معلمة مدرسة- أم- عاملة- مكافحة- نشيطة- طموحة- محبة، جمعت هذه السيدة بين عدة هوايات، فأبدعت في كل مجال دخلته، كأنما جمعت عدة نساء بشخصيتها و يبدو ذلك جلياً لمن يجالسها أو يحاورها.‏

لم تكتف بجمع التراث وإحيائه بهدف الحفاظ عليه فقط، بل لربط الماضي العريق بالحاضر و التواصل الفاعل الموجود منذ القديم و حتى الآن نشطت في مجالات و منظمات عديدة، الاتحاد النسائي- الطلائع- الشبيبة- نقابة المعلمين- عاملة فاعلة في الحزب و البيئة و أقامت العديد من المعارض منذ عام 2002 ولحد الآن ومن خلال شغفها الدائم العودة للطبيعة أخيراً تمكنت من تشكيل لجنة حماية نباتات البيئة.‏

جمعت كل أدوات التراث‏

السيدة جمانة حرفوش دفعها حبها للتراث والمحافظة عليه إلى لملمة واقتناء جميع الأدوات التي كان يستخدمها الآباء والأجداد في الماضي، من لباس و منارة و أدوات المأكل و المشرب، حيث دفعها حرصها الشديد على عدم نسيان الماضي و تجاوزه إلى إقامة معرض في عام 2003 يهتم بعرض و إحياء التراث الأصيل، لا بل أقامت معرضاً غذائياً مركزياً ضمن منظومة الاتحاد النسائي.‏

اهتم هذا المعرض بالأكلات التراثية القديمة والمعروفة في تلك المنطقة وعلى مستوى المحافظة، ولفت النظر إلى طريقة تحضير المؤونة في الماضي واستمرت في إقامة هذا المعرض بشكل سنوي على مستوى /قريتها/ لغاية الآن.‏

السيدة جمانة مارست لا بل أبدعت في كل عمل أوكل إليها، شاركت و استلمت مواقع قيادية في عدة منظمات شعبية /الاتحاد النسائي- الطلائع - الشبيبة/ بالإضافة إلى مشاركتها في ندوات قطرية و دورات فرعية و مركزية وحلقات بحث متنوعة ، وبفضل جهودها الحثيثة استطاعت مؤخراً تشكيل لجنة حماية البيئة على مستوى قريتها.‏

كما شاركت في مهرجان الشيخ صالح العلي، ومهرجان القطان الطبيعي، وأقامت عدة ندوات حول اللباس التراثي الشعبي في محافظة طرطوس و أبدعت في مهرجان الفنون الشعبية في إدلب ومهرجان السياحة في طرطوس.‏

حقل طبي‏

في الأونة الأخيرة قررت العودة إلى الطبيعة لتحول حديقة منزلها إلى حقل طبي طبيعي تتواجد فيه كل أنواع النباتات الطبية الطبيعية من (شمرا- ختمية- حبق طبي- حي العالم المنعكس- مردكوش- عطرية - بنفسج- ورد جوري- اكليل الجبل- ريحان- مليسة- حدنقوق- شقائق النعمان و النرجس ) وكذلك أشجار الغار و الرمان والمحلب والتفاح والدالية بالإضافة إلى القمح المبرعم مبتعدة عن كل أنواع الأسمدة الصناعية .‏

كما حولت مطبخها إلى معرض رائع من منتوجات الطبيعة من كل أنواع الزهور الطبية بالإضافة للعصائر الطبيعة المختلفة والتي تنتجها حديقة منزلها.‏

ويذكر أن السيدة جمانة نالت العديد من شهادات التقدير والتكريم من نقابة المعلمين و مديرية الزراعة والاتحاد النسائي- ووزارة البيئة وحزب البعث العرب الاشتراكي، كما شمل تكريمها رحلات إلى ألمانيا وتركيا والأردن .‏

ومن الجدير ذكره أنها ناشطة اجتماعياً وعلى مستوى قريتها بما أنها ضمن مجتمع ريفي تشارك بأفراح وأتراح قريتها على أكمل وجه.وأخيراً يمكننا القول:‏

العطاء والإبداع والحب و الإخلاص معانٍ ومفردات جميلة وسامية لكنها تكون أجمل و أسمى و أشمل عندما يكون مصدرها إمرأة أو نابعة من قلب إمرأة يساندها قلب رجل أبا كان أم أخا أم زوجاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية