تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سرقات غير أدبية

آراء
الخميس 26-4-2012
حسين عبد الكريم

ثقافة الحاجات حين تزداد وتزداد، تصبح البطلة بين الثقافات، وتصبح الأغراض مثلاً مرموقاً وبطولة، يتفاخر بها الناس على الناس، رجل يقول: عندي جدران أكثر من جار آخر، وعندي حجارة زينة، وبدلت الأسوار عدة مرات، حتى استقام حسنها وهندامها... وجار آخر يعتز بأن لديه الكثير من السرقات غير الأدبية والسيارات، وفي زمن الحاجات الكثيفة لا تكثر السرقات الأدبية والفكرية والروحية بقدر ما تكثر السرقات الشيئية والمادية ذات المنفعة العاجلة والمباشرة... من يعنيه في زمن بطولة الأشياء والاحتياجات والحاجات أن يسرق تأملات فلان أو رزانة فلانة أو صدق متأمل أو حنين امرأة؟!؟

البطولات الحالية ليست للكرامات ومعاني السلوكيات الإنسانية، التي تخدم بها الإنسان ونموه وبقاءه...‏

البطولات لقوة الالتفاف على مفاتن الإنسان، والوصول بأية أساليب وعبر أية ممرات مشبوهة إلى الجمع والكثرة والسيطرة المادية الفاجرة.‏

المرأة في حالاتها المبدعة شريكة وأكثر من شريكة مع الرجل في بسط نفوذ الشوق والعائلات الجيدة والحب الجيد والحياة الراقية، أما المرأة في حالاتها الانحطاطية شريكة في بسط نفوذ التفاهات والانحطاط واللف والدوران...‏

وليس كل لف عيباً وليس كل دوران تخلفاً وانحطاطاً...‏

الطواحين وهي أساسية في بدايات نشاط وعيش الإنسان تدور ومثلها الرحى تلف وتدور....‏

اللف والدوران آفتان إنسانيتان، حين يستخدمها العقل لتحقيق الزور والبهتان حساب نباهة العلاقات الطيبة وأحقية القناعات بالسعي المشكور بين الأهل والأهل والجيران والجيران والأصدقاء والصديقات والعيش والعيش.‏

وآنسات السرقات يتوقفن عن برامج الحب وبث الحنان وتوزيع كلمات الاشتياق ومدائح الرجولة، وآنسات الدروس يبقين دروساً ونفوساً وحنيناً حزيناً وحالاً مع وقف التنفيذ... ولا بد بين الحين والحين واللقاء واللقاء من بطر وشوفة حال ومال من قبل سيدات الشفط والتشفيط والمشفطين، على سيدات فقر الحال وعديد العيال....‏

في زمن الإنسان والحب القلب والوجدان والأفئدة وكلمات الوجد والود أساسية في تفاصيل التآليف والتلاقي...‏

وفي زمن الحاجات(البطرانة) بكثرتها وكثافة المعجبين بها أحاديث الشفط والتشفيط وبراعة الأخذ والاستفادة سيدة الموقف... وكما قال أحد الفلاسفة الكبار:( الناس مواقع وليسوا مواقف)...‏

في زمن الرقي الإنساني الصالح للبقاء والنمو القرى تخرج في تأبين كرامة أو معطاء أو فقير صادق جداً أو محب حنون....‏

وفي المدن تخرج الحارات والأحياء لوداع شجاع أو مصلح اجتماعي أو متعهد كرامات أو رجل حياة مقدام...‏

وفي زمن الحاجات واللف والدوران على معاني الحياة الكريمة تحتفي قرية بولادة سارق، وتفرح حارات ب(شفيط) من ماركة(رجل أعمال) أو متعهد احتيال...‏

الفقراء الذين بدسم كراماتهم ونكهات قناعاتهم الطبيعية يحمون الوطن لأنهم يحمون وجدانهم ويتفاخرون بقناعاتهم... وأولئك المشتبه بأحوالهم وأقوالهم قد لا يحمون حتى زوجاتهم وآنسات جيوبهم بدل قلوبهم...‏

أجمل ما في النساء أنهن آنسات شوق وذوق‏

وأنهن ثراء عاطفي لا يمكن التصرف به إلا من قبلهن وهن في أحسن الحالات...‏

---كم تلاقت آمال وأوجاع للترحيب بـ طبيب كبير يهدي الوجع شفاء والتعب أملاً... وكم تتلاقى آمال وأوجاع لمصافحته والذهاب في وداعه ومحبته...‏

وبعض الأطباء الذين يضيعون رأفتهم عند أول جرح وأول عملية جراحية... وينسون كامل وجدانهم الطبي والإنساني على رفوف الحاجات وغبار الزوجات والجدران المبنية حديثاً والقديمة من سيحتفي بهم ومن سيقف في وداعهم ومحبتهم؟ قد تقف جيوبهم وقد لا تقف...‏

وقد تجد الزوجات وقتاً كافياً للحفاوة بما جمعوا إلا أكثر... بعضهم أبطال آمال وشفاعات وجع يدرؤون عن النفوس الويلات والأطباء المال ليسوا أكثر الحاجات التي جمعوا، ولو لمعوا...‏

عالم نفساني بالغ راشد نصح آنسات الصفوف الفقيرات أن يحتفظن بـ مؤونة اشتياق كافية، لأن الأيام بحاجة إلى اشتياق دائم.... ونصحهن في تجاربهن التالية أن يستفدن من محاسنهن ودروسهن في اصطياد الفرص وتعلم فن الشفط والشحط واللف على العواطف والدوران مع المشاعر باتجاه شهوات الحاجات لا شهوات الوجدان لأن الوقت مرصود ومقصود من قبل قناعات مثقلة بالضيق والضائقات...‏

وقار العواطف حنون ودروس القناعات أهم بآلاف المرات من دروس الالتفافات على الحياة والكرامات...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية