تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحرب على الإرهاب وإدارة الفوضى المستمرة!

شؤون سياسية
الأربعاء 8-7-2009
حسن حسن

هل ستطول الحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان كثيراً؟ وهل سيستمر رفض تحديد مفهوم الإرهاب أو انتهاك القانون الدولي أو تجاهل قواعد النظام الحقوقي الدولي طويلاً؟

وهل غدت السياسة الأحادية في رؤية المشكلات الدولية والقوة المرعبة في فرضها بديلاً للغة الحوار الجماعي ومراعاة الأمن الدولي والمصالح المشتركة؟.‏

عندما يتحدث الأمريكيون عن بلادهم يقبلون بسهولة تعبيرات من نوع: الدور القيادي، القوة الأعظم، الأرجحية، الأحادية القطبية، الأمة التي ترى أبعد من الآخرين، أولوية القيم الأمريكية وأهمية نشرها.‏

إنها القناعة الراسخة لدى الأغلبية الكاسحة من المواطنين الطيبين الممتلئين ثقة أن بلادهم تريد الخير للعالم ولا تتأخر عن تعميمه حيث تستطيع، فالرسالة الأمريكية الكونية هي فيض طبيعي عن الأخلاق الأمريكية حيث إن «الجيد لنا جيد للجميع».‏

انطلق المؤرخ البريطاني ينال فيرغسون من ملاحظة هذه المفارقة ليصوغ مفهوماً يحاول تعريف الولايات المتحدة: امبراطورية في حال انكار، يعتبر أن أمريكا هي أقوى امبراطورية في التاريخ مع «ميزة» أن الأمريكيين يرفضون التنبه إلى ذلك.‏

إنها بلاد تملك 750 قاعدة عسكرية في أرجاء العالم في (130 بلداً) ويصل انفاقها العسكري إلى نصف الانفاق الكوني وهي فوق ذلك بدأت تعسكر الفضاء.‏

يلاحظ فيرغسون أن الانتاج الأمريكي هو ثلث الانتاج العالمي أي أكبر بثلاث مرات عما كانت عليه بريطانيا في ذروة امبراطوريتها ويضيف: إن الهيمنة على الثقافة الشعبية حيثما كان ليس مفروضاً لأنه يكاد يكون مطلوباً ومع ذلك يستحيل اقناع الأمريكيين بالبديهية القائلة إن ما يطلقون عليه أسماء شتى قابل لأن يسمى «امبراطورية».‏

وبسبب هذا الانكار، فإن الولايات المتحدة لم تنجح في اقامة ديمقراطية في بلدان دخلتها عسكرياً على امتداد القرن الماضي إلا في ألمانيا واليابان وبنما وغرينادا.‏

لقد شكلت أفغانستان مرتين مناسبة لممارسة «الامبراطورية في حالة انكار» الأولى عندما تم التخلي عنها بعد انتهاء وظيفتها في مقاومة التمدد السوفييتي، والثانية والأهم بمجرد القضاء على نظام «طالبان» في كابول.‏

فلقد كان مقدراً بعد تفجيرات 11 أيلول وما أحدثته في الولايات المتحدة وما ساهمت به لجهة تعزيز الاندفاعة «الامبراطورية».‏

لقد كان مقدراً أن يكون الحضور الأمريكي معنياً بالدفع نحو حالة تظهر فيها واشنطن مستعدة لتحمل عبء دورها العالمي، إن ما يحصل واقعياً دون ذلك بكثير.‏

تقول «هيومان رايتس ووتش» في تقرير شديد التفصيلية: إن نافذة الفرص في أفغانستان تقفل بسرعة» وتعني بذلك أن التدخل العسكري قاصر جداً عن وضع البلد على سكة الخروج من مآزقه، يتحدث التقرير عن هجمات عنيفة وسرقات مسلحة وعمليات ابتزاز ومشاركة الجيش والشرطة والمخابرات في الخطف ويتحدث عن ابتزاز الصحفيين وتهديدهم وعن انتهاكات واسعة لحقوق النساء والفتيات.‏

القائمون بهذه التجاوزات مسؤولون في الوزارات وقادة في الجيش ومجاهدون سابقون وموظفون في الدفاع والداخلية وعناصر من الميليشيات الموجودة بإمرة المسؤولين والقادة السياسيين الكبار، ويشير التقرير إلى أن المجرمين هؤلاء ما كانوا ليكونوا حيث هم لولا التدخل الدولي ولولا الرفض الأمريكي نشر القوات، ولولا الامتناع عن دعم جديد للسلطة المركزية.‏

يضيف تقرير صادر عن هيئة في الأمم المتحدة متخصصة بمكافحة المخدرات أن أفغانستان عادت لتحتل المركز العالمي الأول لجهة زراعة الأفيون وتصديره بحيث باتت كابول عاصمة البلاد «المحتكرة» لثلاثة أرباع الانتاج الكوني، المساحات المزروعة تتسع باستمرار وتتزايد معها المختبرات، وعليه فإن أكثر من ربع الناتج المحلي (1،2 من أصل 4،4 مليار دولار) يتأتى من الأفيون الذي يباع بعد تصنيعه بمئات مليارات الدولارات.‏

إن الفقر المدقع هو السبب ولكن الظاهرة ممكنة بسبب التعاقدات الموجودة بين السلطة المركزية (وراعيها الدولي) وبين «أمراء الحرب» بحيث يسمح لهؤلاء بجني الثروات شرط أداء دور في منع انبعاث «طالبان» وخاصة في مناطق البشتون.‏

وكادت تجارة المخدرات تكتسب شرعية وتتحول إلى ركيزة اقتصادية في غياب الموارد الأخرى، واللافت للنظر في هذا الصدد أن بعض الوكالات الدولية ما زالت تدعو إلى وقف زراعة الأفيون وتقدم للسكان تعويضات إذا هم اقتلعوا أشجاره وزرعوا محاصيل أخرى، وهو ما كان عنصراً مشجعاً للبعض على اللجوء إلى الإقدام على زراعة المخدرات لكي يحصلوا على التعويض ويتوقفوا لبعض الوقت ثم يعودوا لزراعته مرة أخرى.‏

لقد فقدت أفغانستان عنصر الإثارة وفقدت معه القدرة على «تأمين» عناوين بارزة وبالتالي نحن أمام نموذج متكامل لممارسة «الامبراطورية في حالة الانكار» الوجود الأمريكي ضعيف ومحصور في نقطتين تقريباً، الانفاق الأمريكي شبه معدوم إلا على القوات العسكرية (ثمة أصوات في الكونغرس تطالب ببذل جهد أكبر) وصيغة المشاركة لا تتجاوز السماح للحلفاء ومنهم الدول الأطلسية بالقيام بأعمال صيانة.‏

لا تفعل واشنطن سوى إدارة الفوضى الأفغانية راسمة خطاً أحمر واحداً لا علاقة له بالأفغان: عدم انبعاث ما يمكنه تهديدها ثانية قد يقال إن هذا ما تفعله الدول عادة ولكنها دول لا تملك ادعاءات الولايات المتحدة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية