تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كيف تحولت الضحية إلى معتدٍ؟

«ليفت-رو» الروسية
ترجمة
الأربعاء 8-7-2009
ترجمة: د. ابراهيم زعير

أثارت واشنطن وحلفاؤها ضجة عالمية غير مسبوقة تجاه التجربة النووية الناجحة التي أنجزتها جمهورية كوريا الديمقراطية،

هذه الضجة المنافقة والملفقة تثير السخرية لأن ما تمتلكه كوريا الشمالية من صواريخ بالستية وقنابل نووية لا يمكن مقارنته من حيث الكمية ولا من حيث النوعية مع ما تمتلكه الولايات المتحدة نفسها التي تعتبر أكبر قوة نووية في العالم ولا حتى مع ما تمتلكه حليفتها وشقيقتها الصغرى إسرائيل.‏

ولم تخجل الآنسة سوزان رايس سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة من الصراخ، معلنة أن تجربة كوريا الشمالية النووية تشكل خرقاً فاضحاً للقانون الدولي وتشكل خطراً على السلام العالمي، مطالبة بفرض عقوبات جديدة على هذا البلد المسالم المحاصر والمخدوع بأوهام المساعدات الأمريكية التي لم يقدم منها شيء مقابل تخليها عن قدراتها النووية.‏

ودعا السيد أوباما العالم كله للتوحد ضد كوريا وكأنها لم تقم يوماً بأي عدوان أو تدخل أو احتلال للدول الأخرى تحت ذرائع كاذبة، وتعلن أنها تحرص على ألا تسمح لأحد آخر بأي عدوان أو تدخل ضد الآخرين.‏

إنه من المضحك المبكي مثل هذا السلوك للولايات المتحدة خلال أعوام طويلة دعت كوريا الديمقراطية إلى تحويل شبه الجزيرة الكورية إلى منطقة خالية من السلاح النووي ولكن الولايات المتحدة حولت مستعمرتها كوريا الجنوبية إلى مستودع لأسلحتها النووية، إضافة إلى نصف مليون عسكري ومئات من القنابل النووية.‏

ورغم ذلك فإن الرئيس بوش الأصغر وصف كوريا الديمقراطية وإيران والعراق بـ «محور الشر» أي تحويل هذه البلدان إلى هدف للعدوان والتدخل الأمريكي وبعد اجتياح العراق أصبحت كوريا الديمقراطية الهدف الثاني للاجتياح الأمريكي، وهذا ما فرض عليها العمل لتعزيز قدراتها الدفاعية بجميع أنواع الأسلحة لردع أي عدوان ضدها.‏

وعندما أعلنت كوريا الديمقراطية عن تجربتها النووية قامت واشنطن بحملة هستيرية ضدها، علماً أن الصواريخ الكورية «يتوبونغ-ح» لا تضاهي الصواريخ اليابانية «A2-H» ولا الإسرائيلية «أريحا-3» والتي لم تثر أي ردة فعل لدى أمريكا.‏

وعندما أصبحت كوريا الديمقراطية هدفاً أمريكياً اضطرت للتخلي عن المعاهدة السابقة مع الولايات المتحدة في اطار اتفاق السداسية والتي لم تلتزم بها الولايات المتحدة يوماً.‏

وأعلنت كوريا الشمالية أنها لن تهدد أحداً ولن تقوم بأي عمل ضد أحد ولكنها ستكون مستعدة للدفاع عن نفسها، وهل يوجد بلد في العالم مستعد للتنازل عن كرامته الوطنية وحريته المهددة؟.‏

وهذا ما فعلته كوريا الديمقراطية. ومن الجدير بالاهتمام التذكير أن كوريا الديمقراطية في تموز العام الماضي صفت نحو 80٪ من قدراتها النووية وأبدت استعدادها للمضي قدماً حتى النهاية للالتزام بالتنازل عن قدراتها النووية وانتظرت أن يكون الرد الأمريكي إيجابياً وفق الاتفاقية الموقعة بين الطرفين، ووفق الاتفاقية كان على واشنطن أن تتخلى عن فرض الحصار الاقتصادي على كوريا الديمقراطية وتقديم المساعدات في مجال الطاقة الكهربائية كتعويض لها عن تخليها عن الطاقة النووية وتخصيب اليورانيوم.‏

وفجأة طلبت واشنطن السماح لها بالتواجد في جميع المواقع العسكرية والمصانع العسكرية التابعة لكوريا الديمقراطية وبالمقابل طالبت بيونع يانغ أن تسمح واشنطن لها بزيارة المواقع والقواعد العسكرية الأمريكية والكورية الجنوبية للتأكد من سحب جميع القنابل النووية والصواريخ البالستية المنتشرة في الجنوب الكوري، ولكن أمريكا رفضت ذلك بحزم، مهددة كوريا الديمقراطية بمزيد من العقوبات والحصار وحتى استخدام القوة إذا اقتضى الأمر.‏

ولم يكن من مخرج أمام كوريا الديمقراطية سوى رفض طلب واشنطن، واخطرت كوريا الديمقراطية جميع الدول والأمم المتحدة أنها لا تريد جولات جديدة من سباق التسلح والمواجهة مع أحد نظراً لمعاناتها الاقتصادية، وأبدت رغبتها في أن تحول النفقات على التسلح لمصلحة انتعاش اقتصادها الوطني ورفع مستوى معيشة شعبها ولكن واشنطن استمرت في نفس سياسة التهديد والوعيد وتبين أنها تريد أن تتخلى كوريا الديمقراطية عن نظامها الاشتراكي وانتهاج اقتصاد السوق الرأسمالية، وهذا هو جوهر الخلاف الكوري الشمالي والأمريكي.‏

وبما أن هذا الخلاف غير قابل للحل فإن واشنطن اختارت طريق التصعيد وتوتير الوضع في شبه الجزيرة الكورية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية