|
واشنطن بوست لكن اللافت للانتباه أن جميع الصحف الأمريكية الصادرة الإثنين الماضي حملت أخباراً عن موافقة نتنياهو على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ورحب البيت الأبيض بذلك الخطاب واعتبره «خطوة كبيرة للأمام» لكن ما أسهل أن تنقلب الحقيقة رأساً على عقب عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، والسبب أن إساءة أو قراءة التصريحات الإسرائيلية خطأً يعد تقليداً راسخاً له جذوره البعيدة في أوساط بعض الصحفيين والمعلقين السياسيين. والحقيقة أن مصطلحاً سياسياً فريداً تم تطويره في الإعلام الأمريكي الخاص بتغطية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. والسمة البارزة لهذا المصطلح أن يمنهج الطريقة التي تقرأ بها هذه القصص والتغطيات الإخبارية الخاطئة بطريقة يجعل من الصعب جداً على القارئ معرفة هذه القصص وفيما إذا كانت صحيحة أم لا. حتى هذه الطريقة تحجب عن الصحفيين أنفسهم فرصة النظر الناقد إلى ما يكتبونه عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والهدف الرئيسي لهذا المصطلح السياسي السائد في الصحافة الأمريكية هو جعل الجمهور الأمريكي يقبل كل ما يصدر عن إسرائيل، والموافقة الآلية على رفض هذا الجمهور نفسه إذا تعلق الأمر بطرف غير إسرائيل. ولتأكيد صحة هذا القول لنتوقف قليلاً عند هذا المثال الكلاسيكي، فهنا في أمريكا عادة ما تعتمد حوارات الساسة الفلسطينيين والحركات السياسية الممثلة لهم على طيف سياسي واسع يتراوح بين -المتطرفين- و-المعتدلين- وغالباً ما يقبل صوت المعتدلين، بينما ينظر بشكل سلبي إلى مواقف وآراء المتطرفين. ويستخدم الجميع هذه المصطلحات ويحددون مواقفهم بناءً عليها، دون أن يكلفوا أنفسهم صعوبة تأمل ما تعنيه على وجه التحديد. حتى لا يسأل أحد من هؤلاء نفسه عن المعايير الذاتية والموضوعية التي أطلقت على أساسها هذه -الوصفات الجاهزة- لأطراف الحوار. وإذا ما أجرينا مقارنة بين الساسة الإسرائيليين والساسة الفلسطينيين نلاحظ أن الساسة الإسرائيليين يتميزون بشكل مختلف بميزة مغايرة جداً لتلك التي يتميز بها الساسة والمتحاورون الفلسطينيون. فالساسة الإسرائيليون يقسمون على أساس -صقور- و-حمائم- وبعكس السياسيين الفلسطينيين، فلا توجد ميزة سلبية تلحق بالساسة الإسرائيليين المستعارين من عالم الطيور وهنا يجب أن نتساءل: لماذا لا يوصف أي سياسي فلسطيني هنا بأنه ينتمي إلى عالم -الصقور- كما لا يوصف سلباً أي سياسي إسرائيلي بأنه -متطرف- في المصطلح السياسي السائد في الصحافة الأمريكية؟ ومن يرد فهناك العديد من الأمثلة التي تدل على ازدواجية المعايير اللغوية المستخدمة في وصف طرفي النزاع، فمثلاً، استمرت الصحافة الأمريكية باستخدام مصطلح -عرب إسرائيل- بالرغم من وعي هؤلاء وتسميتهم لأنفسهم أنهم فلسطينيون. كما توصف وحدات الإسكان الإسرائيلية التي أقيمت في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي وبأنها -مستوطنات- أو -مناطق الجوار- بدلاً من تسميتها الحقيقية ووصفها كما هي -مستعمرات استيطانية- وقد تبدو هذه الكلمة الأخيرة قاسية على الأذن لكنها الوصف الأكثر دقة لواقع الاستعمار بمعنى استيطان مجموعة سكانية ما، وتشكيلها لمجتمع مجاور أو خاضع لدولته الأم-. وإذا ما نظرنا إلى كلمة -الدولة- في المعجم اللغوي فسنجد أن معانيها تشير إلى وحدة التراب والحدود وإلى السيادة والسلطة وبالمقارنة فإن كيان الدولة الذي تحدث عنه نتنياهو في خطابه الأخير يفتقر إلى أي واحدة من هذه السمات الرئيسة للدولة. وقد لاحظنا أنه تحدث عن دولة لا حدود جغرافية أو سياسية واضحة لها وعن دولة لا حق لها في فرض سيطرتها على حدودها أو أجوائها، كما لا يحق لها إبرام أي معاهدات أو صفقات أو اتفاقيات مع بقية الدول الأخرى. فهذه الدولة لن تكون دولة على الإطلاق إلا إذا أصبح التفاح برتقالاً أو أن تصبح السيارة طائرة. فكيف إذاً تسمح كبريات الصحف الأمريكية لنفسها أن تتصدر صفحاتها الأولى يوم الإثنين الماضي عناوين عريضة تقول «رئيس الوزراء الإسرائيلي يدعم قيام دولة للفلسطينيين» كما فعلت نيويورك تايمز مثلاً؟ أو أن تنشر صحيفة لوس أنجلوس تايمز خبراً يقول: نتنياهو مصر على حل الدولتين أو وصف الناطق الرسمي باسم الرئيس أوباما إعلان نتنياهو بأنه يمثل خطوة كبيرة باتجاه الحل السلمي للصراع؟ الإجابة عن كل ذلك هو اختلاف المصطلح السياسي. |
|