تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ذكريات فـــي الفــن... الشر المطلق

فنون
الأربعاء 8-7-2009
عادل أبو شنب

عندما بدأت السينما في الدنيا العربية، عرضاً في أوائل القرن العشرين، وصناعة في الربع الثاني منه، اتجه مؤلفو الأفلام وواضعوها إلى تجسيد الشر المطلق،

وطبعاً الخير المطلق، في الأفلام التي كتبوا سيناريوهاتها، ليس لأنها معبرة عن واقع المجتمع، بل لأنها ممكنة الحدوث، وهكذا رأينا أفكاراً تكاد لاتصدق بوجود رجل شرير فيها، غالباً كان محمود المليجي من يلعب دوره، يمضي بالأمور إلى أقصى حد من الأذى بالضحية البريئة التي تستسلم لقدرها، ثم تنكشف لعبة الرجل الشرير، مصادفة أو غير ذلك، ليسود الوئام، على هذا النحو، عاشت السينما المصرية، أمجادها الأولى في الأربعينيات والخمسينيات، وأذكر منهم «سجين أبو زعبل، كمثال عن الشر المطلق في المليجي، والخير المطلق في محسن سرحان، الفتى الأول في تلك الفترة، والسبب أن الشرير يطمع في الفتاة، التي يحبها الفتى الخير، وتفاجأ عندما تجده يدس المخدرات في دراجة خصمه الطيب، ليزيحه من طريقه ويلقيه في السجن، ويتفرغ هو للحبيبة المطموع بها، شربنا مقلب أفكار مؤلفي موضوعات الأفلام المصريين، وعشنا على مائدتهم الميلو درامية طويلاً، قبل أن يتسنى لنا أن ننتج درامانا الخاصة في سورية التي اعتمدت على الواقعية، وأخذت من الحياة مافيها حقاً، وليس ممكن الحدوث ومستحيله.‏

يحق لنا في سورية أن نفتخر بدرامانا التي استفادت من عنصري الشرالمطلق، والخير المطلق، فنبذته إلى دراما سورية تقتبس من الواقع، وتقدم أبطالها من الناس العاديين، وتحاول أن تكون مرآة عصرها بلا زيادة أو نقصان، لاتضخم ولاتشترط الأمور إلى تقديم نماذج مبالغ فيها نماذج خيالية مرسومة على الورق، ممكنة الحدوث، حقاً لكنها تترك المجتمع، ككل في حالة ارتباك وقلق، لقد فعل كتاب السيناريو المصريون الأوائل ماجعل السينما العربية في مصر تعيش على المبالغة وتضخيم الشر، إلى درجة أن هذا المجتمع صار دون أن يدري، بتأثير السينما الفعال والقادر، يخضع في قصصه وأدبياته وأعماله الفنية إلى قيم ليست هي قيمه حقاً، بل هي قيم مكتسبة عن طريق الأفلام المتكررة التي تدور حول فكرة الشر والخير المطلقين.‏

وإذا كانت ذيول هذه الأفكار لاتزال معششة في أذهان كتاب السيناريو المصريين، فإن كتّابنا في سورية لم يقربوها، ولقد قرأت أخيراً أن مسؤولي السينما في مصر أشاروا إلى هذه النقطة في نقاشاتهم لرفع سوية أفلامهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية