تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجامعــة.. وبناء القدرات الذاتية

مجتمع الجامعة
الأربعاء 8-7-2009م
أ. د. وائل معلا

تلجأ الجامعات في العالم إلى اتباع أساليب مختلفة لإغناء كادرها التعليمي وتلبية الحاجات الناشئة عن إحداث اختصاصات وبرامج تعليمية جديدة،

وعن تقاعد أعضاء الهيئة التدريسية فيها أو سفرهم أو انتقالهم للعمل في جامعات أخرى.‏

وجامعة دمشق شأنها في ذلك شأن باقي جامعات القطر تلجأ في إغناء كادرها التعليمي إلى أسلوبين وفق ما أقره قانون تنظيم الجامعات. الأول عن طريق إعلان مباشر عن الحاجة لأعضاء هيئة تدريس يستطيع أن يتقدم إليه كل من يحمل شهادة الدكتوراه في الاختصاص المطلوب ويحقق المعايير المطلوبة، والثاني عن طريق تعيين معيدين في الكليات (المادة 134) بناءً على إعلان ووفق معايير يضعها مجلس التعليم العالي، ثم إعدادهم علميا وعملياً وفنياً ليكونوا أعضاء هيئة تدريسية. وغالباً ما يكون ذلك بإيفادهم إلى جامعات أجنبية عريقة ومايترتب على ذلك من نفقات باهظة تتحملها الجامعات.‏

وقد أظهرت المعلومات المستقاة من آخر مسابقتين لتعيين أعضاء هيئة تدريس من خارج الملاك في جامعة دمشق أن هذا الأسلوب يمكن أن يؤدي إلى استقطاب خبرات رفيعة المستوى في حال توفر شروط توظيف مناسبة. فقد نجح هذا الأسلوب في استقطاب عدد من الخبرات الرفيعة في بعض الاختصاصات الطبية والتي تسمح القوانين النافذة لأصحابها بممارسة مهنهم الحرة في حال اختيارهم عدم التفرغ. في حين لم ينجح هذا الأسلوب في استقطاب اختصاصات رفيعة أخرى لأن الطلب والتنافس عليها كبير.‏

أما بالنسبة للأسلوب الثاني المتبع في تعيين أعضاء الهيئة التدريسية وهو تعيين المعيدين ثم إيفادهم للتأهيل والتخصص في الخارج ليصبحوا أعضاء هيئة تدريسية بعد عودتهم وحصولهم على المؤهل العلمي المطلوب، فقد أظهرت دراسة أعدتها جامعة دمشق مؤخراً واستندت إلى تحليل نتائج أربع مسابقات متتالية لتعيين المعيدين (هي مسابقات أعوام 1995 و 1996 و 1997 و 2000 ) أن وسطي مكوث المعيد قبل الإيفاد يختلف من كلية لأخرى وهو بحدود عامين ونصف العام، وأن وسطي المكوث في الإيفاد يختلف من اختصاص لآخر ومن كلية لأخرى وهو يتراوح بين أربع سنوات وسبع سنوات، وبالتالي فإن سد الحاجة من أعضاء هيئة تدريسية من اختصاص معين يستغرق فترة تتراوح بين 7 و 10 سنوات من تاريخ الإعلان. ومن الواضح أن هذا الأسلوب في بناء القدرات الذاتية وإن كان مقبولا عندما كان عدد أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة لا يتجاوز بضع مئات، وكانت الجامعة بأمس الحاجة إلى أعضاء هيئة تدريسية إضافيين من مختلف الاختصاصات، فإنه لم يعد ناجعاً في سد الحاجات الملحة من اختصاصات دقيقة نظراً للفترة الطويلة التي يستغرقها إعداد المعيد وتأهيله، ناهيك عن أن الدراسة المشار إليها أظهرت أنه في أحسن الحالات (مسابقتا 1995 و 1996)، 48% من المعيدين الذين نجحوا في مسابقة المعيدين قد أوفدوا وعادوا من الإيفاد بعد حصولهم على المؤهل العلمي المطلوب، وهذه النسبة تنخفض إلى 38% بالنسبة لمسابقة عام 1997.‏

كذلك فإن مسابقة المعيدين التي تتم بشكل مركزي والتي لا يكون فيها للجامعة دور في اختيار معيديها تؤدي في العديد من الأحيان إلى ذهاب وظائف المعيدين المعلنة إلى خريجي الجامعات الأخرى وهو الشيء الذي تكرر حدوثه بالنسبة لجامعة دمشق، وذلك بسبب انخفاض معدلات خريجيها مقارنة بباقي جامعات القطر. وهنا لابد من الإشارة إلى أن المرسوم الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد، والذي نصّ على تعيين الخريج الأول معيداً في كليته دون الحاجة إلى إعلان مسابقة، يعدُّ خطوة هامة على صعيد تصحيح هذا الوضع وتمكين الجامعات من استقطاب خريجيها الأوائل.‏

يتضح مما سبق أن الطريقة الأسرع والأقل كلفة على الدولة لاستقطاب وتعيين أعضاء هيئة تدريسية جدد هي عن طريق الإعلان المباشر. وهو الأسلوب الذي تتبعه معظم جامعات العالم، وذلك لقصر المدة التي يستغرقها سد الحاجة من الاختصاصات المطلوبة وفق هذا الأسلوب. لكن ذلك يجب أن يترافق مع شروط عمل مؤاتية بحيث تتناسب التعويضات مع طبيعة الاختصاصات ومقدار الطلب عليها. وقد أخبرني أحد رؤساء الجامعات البريطانية في أحد المؤتمرات أن جامعته تضطر لدفع رواتب أعضاء الهيئة التدريسية في كلية الطب تُعادل ضعفي ونصف ما يتقاضاه باقي أساتذة الجامعة، وذلك للحد من هجرتهم بحثاً عن عروض عمل أفضل في الخارج.‏

ورغم أن الدراسات تثبت ضرورة التخفيف ما أمكن من مسابقات المعيدين بشكلها الحالي نظراً للزمن الطويل الذي يستغرقه إعداد المعيد وللنفقات الباهظة المترتبة على ذلك، فإن من حق المتفوقين من طلابنا وخريجينا أن يحظوا بفرصة عادلة لمتابعة تحصيلهم العلمي العالي ليصبحوا في المستقبل أساتذة جامعيين يفيد من علمهم الوطن وتغتني بهم الأجيال. وبالتالي فإن على الجامعة أن تفكر بآليات جديدة تقلل مدة مكوث المعيد في بلد الإيفاد ليعود إلى الوطن بأسرع وقت ممكن، فلا يُهدر الوقت ولا المال العام. على ألا يكون ذلك على حساب السوية العلمية، وذلك عن طريق الإشراف المشترك وتأمين تأهيل المعيدين داخلياً في مرحلة الماجستير،إذا توفرت الإمكانيات لذلك، ثم إيفادهم خارجياً ليكملوا تحصيلهم العلمي العالي في مرحلة الدكتوراه. وقد بينت دراسة أجريت مؤخراً في فرنسا أن الطلاب الأجانب الذين يمضون هناك زمناً طويلاً للاختصاص يجدون صعوبة كبيرة في العودة إلى وطنهم.‏

كما لابدَّ من تعظيم الاستفادة من المرسوم الذي أصدره السيد الرئيس بتعيين الخريجين الأوائل دون مسابقة فهو أكبر ضامن للجامعات لاستقطاب المتفوقين من خريجيها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية