|
شؤون سياسية وفي ظل هذا المشهد المؤلم والحافل بجرائم الحرب الأميركية والأطلسية، يظهر النفاق الغربي صارخاً لأن الغرب يمنع استخدام العنف والمذابح من أجل تغيير النظام في أيِّ مكان حين يسعى إلى فرض مصالحه. ويبدو أن واشنطن وحلفاءها يقومون الآن بجمع كافة التبريرات التي استخدمها الاستعمار القديم لاحتلال الدول الأخرى والشروع باستخدام كل تبرير بحسب هذه الدولة أو تلك وظروفها الخاصة. فحين قررت واشنطن احتلال أفغانستان عام /2001/ استخدمت مبرراً هو «الحرب على الإرهاب الإسلامي» وتوسع احتلالها تحت هذا الشعار ليصل إلى العراق. وحين أنضجت واشنطن وحلفاؤها ظرفاً مناسباً في ليبيا سارعت إلى استحضار شعار ومبرر آخر هو: «حماية المدنيين» ففرضت على ليبيا حظراً يمنعها من استخدام طيرانها العسكري والمدني فوق أراضيها. وبدأت بشن عمليات قصف جوي على مواقع الحكومة والجيش الليبي لتوسيع سيطرة المحتجين الذين أصبحوا متمردين ومن ثم تحولوا إلى حلفاء لبريطانيا وفرنسا وأميركا ضد بلادهم وشعبهم، وفي أعقاب التدخل العسكري الغربي والأميركي بدأت مصر على المستوى الشعبي والقيادي بالإعراب عن قلقها من وجود قوة عسكرية غربية كبيرة يتحالف معها المتمردون على حدود مصر، وهذه سابقة لم تشهدها مصر منذ عقود كثيرة، بل إن هذا الوجود الغربي في بنغازي شكل قوة تهدد مصر من حدودها مع ليبيا، وكأن واشنطن ولندن وباريس أرادت أن تقول لمصر، إن أيَّ تحول في السياسة المصرية بعد سقوط مبارك ضد «إسرائيل» لن يمر بسهولة لأن خاصرة مصر على حدود ليبيا ستصبح عرضة لخطر من ثلاث دول كبرى، ولذلك يرى بعض قادة الجيش الإسرائيلي أن انتشار القوات الأطلسية والأميركية في منطقة تمتد من العراق إلى الخليج في آسيا وتصل إلى شمال أفريقيا في ليبيا سيحمل معه دعماً لإسرائيل أمام التحولات المتوقعة في سياسة مصر وتونس وأمام زيادة قدرة تحالف قوى الممانعة الممتد من المقاومة اللبنانية وسورية وغزة ليصل إلى طهران. وهذه الاستراتيجية العسكرية الأطلسية الأميركية بدأت تغري تل أبيب بإعداد قوتها العسكرية لقطف ثمار هذا التوسع العسكري الغربي في المنطقة والاستعداد لشن عدوان شامل على سورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية وتحقيق «إسرائيل الكبرى» بضم الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وجزء من جنوب لبنان بموجب مفهومها لأمن حدودها. وإذا كان هذا المخطط الاستراتيجي الأميركي الهادف إلى تقسيم الدول العربية من مصر إلى سورية إلى لبنان أصبح معروفاً لدى قادة دول المنطقة، فإن جبهة التصدي الوحيدة القائمة حتى الآن ضده هي نفس قوى الممانعة والمقاومة التي أحبطت مشروع الشرق الأوسط الكبير عام 2006 وزادت من قدراتها العسكرية في السنوات الخمس الماضية. وفي هذا الاتجاه يرى معهد الأمن القومي الإسرائيلي أن التخلص من الدور المصري كقوة إقليمية في أعقاب كامب ديفيد، جعل المنطقة الآن ساحة تنافس بين «إسرائيل» وإيران وتركيا لأنهما القوتان القادرتان من حيث عدد السكان والموقع الجغرافي التحول إلى قوى إقليمية تنافس «إسرائيل» عسكرياً وسياسياً رغم جميع أشكال الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل. وإذا كانت القيادة الإسرائيلية لا تخشى من تركيا لأنها عضو في حلف الأطلسي، وتستضيف قواعد جوية وبرية له، إلاّ أنها تشعر بالفزع من استمرار تزايد قدرة إيران لأنها تشكل مع سورية أهم أطراف الممانعة الإقليمية في المنطقة، وأهم تحالف دولي مع روسيا والصين .. ويعترف بعض المحللين في «إسرائيل» أن شكلاً جديداً (حرب باردة) بدأ يشق طريقه وتظهر ملامحه مباشرة بين القوى الكبرى التي لا تستطيع أي قوة إقليمية الاستمرار بوجودها إلاّ بدعم من إحدى هذه القوى .. ويضيف هؤلاء أن الفرق بين الحرب الباردة في عهد الاتحاد السوفييتي، وبين بوادر الحرب الباردة الحديثة الآن يكمن في حقيقة أن الولايات المتحدة أصبحت القوة المستنزفة مقابل الارتياح النسبي الذي تشعر به روسيا والصين. ويكشف (توم شانكر) في صحيفة ( نيويورك تايمز) أن غيتس وزير الدفاع الأميركي السابق هو الذي حال دون تورط واشنطن بحرب غير محسوبة ضد إيران ويعترف مسؤولون بالإدارة الأميركية بالفضل له لأن القيادة الإسرائيلية كانت ترغب منذ عام 2003 بتوسيع الحرب الأميركية ضد طهران وسورية لكن بوش خشي من مضاعفاتها ومن الخسارة المتوقعة. |
|