تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كـــي لاتبقــــى معلقــاً..ما بيـن قـراءاتنا والسقوط..

ثقافـــــــة
الأحد 10-3-2013
 هفاف ميهوب

يؤسفني, وبعد أن قرأت الكثير للروائي الجزائري «واسيني الأعرج» الأديب الذي ما أكثر ما جلدَ بأعمالهِ القرصنة والإرهاب والاحتلال وتكالب الأغراب وأيضاً, بعد أن علمتُ بأن والده استشهد تحت التعذيب في الثورة الجزائرية التحريرية, وكذلك,

بعد أن قضى عشرة أعوامٍ في «دمشق» الياسمين والحب والعروبة والعربية.. يؤسفني, أن أصطدم بقدرة هكذا أديبٍ على المراوحة ما بين رأيٍ وآخر, علناً ودون إحساسٍ مُسبقٍ بالذنب الذي اقترفه عندما سُئلْ ولأكثر من مرَّة عن رأيه بما يحصل في سورية..‏

أقول هذا, بعد أن ذرف قلمي وجعه وأنا أقرأ لذاك الأديب مقولة وردت في روايته الدمشقية «طوق الياسمين» التي يقول فيها: «لأننا محمَّلون بقدرٍ كبيرٍ من العناء لا نرتاح إلا إذا كسرنا أجمل الأشياء فينا».. أيضاً وأنا أقرأ ما قاله عن «دمشق» وفي حوارٍ أقتطف منه: «أعتقد أنه لا يمكننا أن نكتب عما هو حميمي فينا إلا بالصدقِ, وإذا غاب هذا الصدق وأدخلنا التقييمات الأخلاقية, من الأفضل ألا نكتب أو نصمت أو نكتب شيئاً آخر»..‏

إذاً. ألا يحقُّ لي وباعتباري مواطنة من وطنِ الهوى والعشق والصدق والعروبة والعربية, ألا يحقُّ لي أن أخاطب هذا المبدع بأن: «يا من امتلأت عناءً حملَتهُ عنك «دمشق» على امتدادها ورحابة قلبها. تماماً كما حملته عنا وعن كلِّ من أتاها مُثقلاً به, هل شعرت بالارتياح بعد أن كسرتَ وجودها فيك؟.. بل هل تعتقد أن بإمكانكَ بعدها إقناعنا بأنك تكتب عنها فعلاً بصدقٍ وحميمية؟..‏

أعتقد بأنَّ عليك أن تختار الجواب من كلامك السابق عنها, وعندما قلت: «إذا غاب هذا الصدق وأدخلنا التقييمات الأخلاقية, من الأفضل ألا نكتب أو نصمت أو نكتب شيئاً آخر»..‏

عفواً.. ربَّما لا تدرك أيها المبدع, السبب في انقضاض مفرداتي عليك, وربَّما تُدرك ومع ذلك سأخبركَ عن سببِ كل هذا الغضب..‏

ببساطة, لأنك قلت في إحدى الحوارات التي أجريت معك في العام الماضي وتحديداً في جريدة «أنباء موسكو».. قلت, وعندما سُئلت عن رأيك بما يحصل في سورية: «هذه ليست سورية. النظام بائس كغيره من الأنظمة. طريقة العنف كارثية.. الثورات شيءٌ جيدٌ وأطالب بأن يتدخل المجتمع الدولي لإرغام النظام على التنازل»..‏

أتوقف, فقط لأرحمكَ من مزيد غضبي, بل وغضب كل من عرفك بعد أن قرأك في «دمشق» التي ما أكثر ما قلت عنها: «أعتبر دمشق مدرستي الأساسية في علاقتي باللغة العربية وتعميق الحس اللغوي وحتى الحس العروبي. أحببتُ تلك المدينة وانتميتُ إليها بقوة وتأثرت بها ثقافياً»..‏

حسناً, أوبعدَ كل هذا, هل أصابك خلطٌ لم تعد تفرِّق فيه ما بين الثورة ضد الاحتلال والقوى الاستعمارية, وما بين القتل والتدمير والذبح والتكفير وسوى ذلك مما تمارسه العصابات الإرهابية التي دفعتكَ يوماً للهروب من وطنك خوفاً من ممارساتها الإجرامية والتكفيرية؟..‏

أتوقف, لأتنفس هواء «دمشق» فأستمدُّ منه المزيد ما يجعلني أسألك أيضاً: «كيف لكَ أن تبدِّل في مواقفك وكمبدعٍ يفترض أن يكون لديه مبدأ وقضية لا يمكن أن يتنازل عنها حتى وإن كان الثمن ما دفعناه حتى ارتوت أرضنا بدمٍ بات مدادنا وعبق مفرداتنا»؟.‏

أكتفي, لأستعرض قبل أن أنتهي, رأياً آخر لك, وهو مغايرٌ للرأي الأول وفيه تقول: «أنا حزين لهذا الوضع. تدميرُ بلدٍ وحضارةٍ غير مقبول بتاتاً. بدؤوا بالعراق وبعدما دمَّروا كل المرجعيات العربية التي مازالت باقية ولها تاريخ من التحرَّر والتفتُّح الحضاري والفكري. بقيت سورية بحمولتها القومية والثقافية والتاريخية والحضارية, ويتمُّ تدميرها الآن بنفس الطريقة وبشكلٍ أسوء, حيث أيقظوا كل النعرات.. أنا أشعر بأن هناك جريمة ترتكب بحقِّ سورية»..‏

أخيراً, ومهما حاولت أن أغفر لك زلّة آرائك, لابدَّ من أن أدينك بلسان كلِّ من عرفكَ فحقّ له سؤالك: لِمَ يبدِّلُ المبدع قناعاته عاجزاً عن تقديمٍ تبريرٍ يمنعنا من تعليقه مابين قراءاتنا. والسقوط؟..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية