تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ظاهرة الانشقاق في أحزاب الترويكا الحاكمة في تونس

شؤون سياسية
الأثنين 11-6-2012
توفيق المديني 

في ظل التشكيلة الحكومية التي استأثرت حركة النهضة بالحقائب السيادية فيها عقب إجراء أول انتخابات في تونس في 23تشرين أول 2011، بدأت تظهر أزمة داخل الحزبين اللذين تحالفا مع حركة النهضة ليشكلا معها أكثرية حاكمة،

و هما حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» (29 عضواً في المجلس التأسيسي) وحزب«التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات» (20 عضواً في المجلس التأسيسي) ، حيث تزايدت الانتقادات في تونس، بسبب تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وعدم نيل حزبي المؤتمر و التكتل حقائب وزارية سيادية.‏

وقد فجر هذا الوضع أزمة داخل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ، أي حزب رئيس الجمهورية التونسية المنصف المرزوقي، حيث كانت القيادات المتنفذه داخل هذا الحزب ترغب في نيل حقائب وزارية سيادية (وزارة الداخلية أو وزارة العدل ). وكان جوهر الخلاف الذي أسهم في تصدع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية يكمن في عدم قبول تيار المحامي عبد الرؤوف العيادي أن يصبح مركز الثقل في السلطة التنفيذية في أيدي رئيس الحكومة الذي بات يتمتع بصلاحيات واسعة تفوق بكثير صلاحيات رئيس الدولة ، مما يُحِيلُنَا إلى النظام البرلماني  الأُحَادِي الذي تتولى فيه الحكومة كل الاختصاصات التنفيذية في حين أن الاختصاصات المُخَولة لرئيس الجمهورية هي اختصاصات محدودة جدًّا . و إن كان هذا الوضع لا يجعلنا نتحدث عن تبني تونس النظام البرلماني السائد في بريطانيا، والسبب في ذلك ، وجود سلطة تأسيسية أصلية متمثلة في المجلس التأسيسي الذي بإمكانه سحب الثقة من الحكومة وإجبارها على تقديم استقالتها وفي المقابل ليس للحكومة  أو السلطة التنفيذية بوجه عام أي سلطة على المجلس التأسيسي .‏

ضمن هذا السياق، وُجهت انتقادات شديدة من داخل حزب المؤتمر إلى المنصف المرزوقي بسبب تمسكه بمنصب رئيس الجمهورية الفاقد الصلاحيات، و عدم خوضه معركة حقيقية مع حركة النهضة من أجل أن يحصل حزبه على حقائب وزارية سيادية، حيث أدت المفاوضات التي جرت عشية تشكيل الحكومة التونسية، إلى اقتسام المناصب العليا في الدولة والحقائب الوزارية. فحصل المرزوقي على منصب شرفي يتمثل في رئاسة الجمهورية باعتبار ذلك يخدم هدفه الشخصي ، بينما نال حزبه حقائب وزارية غير سيادية على غرار وزارة الإصلاح الإداري والتشغيل وشؤون المرأة والأسرة وغيرها، وهي حقائب لا تجعل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية فاعلاً في سير العمل الحكومي، قادراً على تنفيذ برامجه التي انتخب من أجلها. فلو لم يستمت المرزوقي في نيل منصب الرئاسة الأولى بحسب هؤلاء، لكان حزبه نال حقائب سيادية، ولكان شريكاً فاعلاً في الحكم لا سائراً في ركاب النهضة مثلما يتهمه البعض.‏

عندما استلم الرئيس المنصف المرزوقي مهامه في قصر قرطاج، عيّن عماد الدايمي (41سنة) مديراً لديوان رئاسة الجمهورية . و كان عماد الدايمي أصيل مدينة مدنين من الجنوب التونسي ، مثله في ذلك مثل الرئيس المرزوقي، عضواً في حركة النهضة، و مسؤول عن الاتحاد العام التونسي للطلبة التابع لحركة النهضة في عام 1991،و اعتقل من قبل نظام بن علي لمدة خمسة أشهر، ثم انتقل إلى فرنسا، حيث واصل تعليمه الجامعي ، إلى أن تعرف على أحد قيادات حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في باريس السيد شكري الحمروني ، الذي قدمه إلى منصف المرزوقي.ومنذ ذلك الوقت توطدت بين الرجلين علاقات قوية، ولم يفارق عماد الدايمي المنصف المرزوقي ، إلى أن أصبح مدير ديوان رئاسة الجمهورية.‏

لقد أصبح عماد الدايمي المؤيد بشكل مطلق للمرزوقي و لسياسته السائرة في ركاب النهضة ، يلعب دوراً رئيساً في محاربة التيار المعارض داخل حزب المؤتمر لرئيس الجمهورية الذي يقوده المحامي عبد الرؤوف العيادي ، هذا ما عبرت عنه المناضلة نزيهة رجيبة (أم زياد) ورفيقة درب الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي -الذي قدم استقالته من الحزب عملا بما ينص عليه القانون المنظم للسلطات العمومية المؤقتة- حين أطلقت وابلاً من الانتقادات إلى مدير ديوان الرئاسة عماد الدايمي، ووصفته بأنه إسلامي وافد من حركة النهضة تمّ تجنيده لاختراق حزب « المؤتمر من أجل الجمهورية»، في تصريحات أدلت بها للقناة الخاصّة «التونسية».وكانت أم زياد أول من قدم استقالته من هذا الحزب الذي فاز بـ29 مقعداً في الانتخابات الماضية وتحالف مع حركة النهضة والتكتل من أجل العمل والحريات في الائتلاف الحكومي الحالي.وحذرت من قبل أم زياد من تبعية حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» لحركة النهضة، التي تمتلك أغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي بـ89 مقعدا.واعتبرت أن الانشقاقات الحاصلة سببها حياد حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، وتحكم الفريق الوزاري وعلى رأسهم عماد الدايمي بالقرارات داخل الحزب بدعم من الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي.‏

ومع احتدام الخلافات داخل حزب «المؤتمرمن أجل الجمهورية»، انضم أحد عشرة نائباًمن أصل تسعة وعشرين هم نواب هذا الحزب في المجلس الوطني التأسيسي، إلى تيار المعارضة داخل الحزب الذي يقوده عبد الرؤوف العيادي ، في خطوة اعتبرها المحللون بأنها تمرد حقيقي على رئيس الجمهورية و فريقه الحكومي من أبناء الحزب، لا سيما حين بات هؤلاء النواب يطالبون الفريق الحكومي بالاعتذار لعبد الرؤوف العيادي بوصفه الأمين العام الشرعي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.‏

وفي ظل انضمام عضوين من المكتب السياسي (من أصل ثلاثة عشر عضوا) لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية إلى تيار الأمين العام المُقَال عبد الرؤوف العيادي ، أعلن هذا الأخير يوم 9 أيار الماضي في ندوة صحفية عن انشقاقه رسميا عن حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية «مبررا موقفه هذا بما أسماه تحول الحزب إلى مجرد تابع للحكومة منتقدا في الوقت ذاته ما اعتبره تخليا من قبل أعضاء الحزب المشاركين في الحكومة عن أهداف الثورة ، و يأتي هذا الانشقاق في سياق تأسيس حزب جديد يحمل اسم « المؤتمر من أجل الديمقراطية » .‏

من وجهة نظر المحللين التونسيين ، تعود أسباب هذه الانشقاقات داخل حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» ، إلى تعيين عماد الدايمي( المتهم من قبل خصوم المرزوقي بأنه دخل الى حزب المؤتمر وافدا من حركة النهضة) ناطقاً رسمياً للحزب، الأمر الذي يتناقض مع مبدأ الفصل بين الإدارة والحزب، الذي ناضل من أجله التونسيون .فالثورة التونسية حين نجحت ، كان من أهم مطالبهاتحقيق الفصل بين الإدارة و الأحزاب الحاكمة، لا سيما أن الشعب التونسي عاني كثيراً من هذه الظاهرة حين كان حزب«التجمع الدستور الديمقراطي » هو الحزب الحاكم سابقاً في تونس. و لهذا، من الصعب جداً ، أن يتقبل التونسيون إعادة الرئيس المنصف المرزوقي إنتاج هذه الظاهرة السلبية ، من خلال استمرار دوره الخفي ،و كذلك استئثار الفريق الحكومي ، لا سيما الدايمي و بن حميدان و الطاهر هميلة -المرتبطين باستراتيجية حركة النهضة - بالقرارات داخل حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»بدعم من رئيس الجمهورية، الذي لم يكتف أن يكون رئيساً لكل التونسيين .‏

و شهد حزب «التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات» الذي يتزعمه رئيس المجلس الوطني التأسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر ، انشقاقاًبدوره، الأمر الذي عرض هذا الحزب لأزمة حقيقية، منذ تحالفه مع حركة النهضة الإسلامية واندماجه في مشروع التحالف الثلاثي الذي تأسست عليه مرحلة الحكم الانتقالي الثاني في تونس بعد انتخابات 23 أكتوبر الماضي وهو ما أدى بالمحللين السياسيين إلى اعتبار أن الائتلاف الحاكم في تونس بات على المحك وقد يتعرّض للانهيار.‏

وفي الفترة الأخيرة، أعلنت العناصر المنشقة عن حزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» عن تشكيل تيار وسطي ديمقراطي يحمل اسم «الخيار الثالث»، منتقدين النزعة الزعاماتية للدكتور مصطفى بن جعفر، وغياب الديمقراطية ،وضعف أداء التكتل في حكومة الترويكا مع حزبي النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية بأنه «هزيل» ،مضيفين أن «كل إمكانية إصلاح داخل الحزب وتصحيح المسار أصبحت مستحيلة».‏

ويبحث «التيار الثالث»عن إقامة تحالفات مع تيار عبد الرؤوف العيادي المنشق عن حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» والذي أعلن مؤخراً عن تأسيس حزب يحمل اسم المؤتمر الديمقراطي، ومع تيار المنشقين عن الحزب الجمهوري، أي مع ممثلين في «التيار الإصلاحي بالحزب الديمقراطي التقدمي» السابق ، لتشكيل حزب جديد في مرحلة لاحقة .‏

كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية