|
الفايننشال تايمز ففي خضم تلك المعركة الانتخابية المحمومة شن الجمهوريون عدة هجمات على مرشح خصومهم الديمقراطيين اوباما واتهموه بفقدان الكفاءة للقيام بدور القائد العام للبلاد وللحيلولة دون التجديد لهذا الاخير لولاية دستورية ثانية لكن تهمة الادارة وحدها لا تكفي هذا بينما يصر طاقم ادارة البيت الابيض الحالية على أن الرئيس اوباما هو الذي اعطى الاوامر للتخلص من اسامة بن لادن خلافاً لنصائح عدد من مستشاريه اضافة لكونه هو من أمر بتدمير معسكرات تنظيم القاعدة في باكستان وضربها بواسطة طائرات أميركية بدون طيار ثم ها هي الانتقادات حول اسلوب تعاطي اوباما مع قضايا السياسة الخارجية المعقدة تنهال على هذا الرئيس من كل حدب وصوب. والمشكلة الفعلية لا تكمن في كون هذا الرئيس ضعيف الشخصية ولا يتمتع بكفاءة تؤهله لمعالجة مشاكل الولايات المتحدة وانما في افراطه بإطلاق الوعود جزافاً دون السعي لتنفيذها لاحقاً لذلك اصبح من السهولة بمكان تقييم اداء اوباما الذي لم يلتزم بأي من الوعود التي قطعها على الشعب خلال حملته الانتخابية السابقة. ففي عام 2008 وضع اوباما على سلم اولوياته ايجاد حل للملف النووي الايراني بالوسائل الديبلوماسية كما صرح آنذاك لكن هذا لم يحدث. كذلك الامر بالنسبة لإقامة سلام عادل بين الاسرائيليين والفلسطينيين وبالنسبة لتغيير صورة الولايات المتحدة امام الرأي العام الاسلامي حول العالم . اما على صعيد تعهده بإعلان اغلاق معتقل غوانتانامو وتقديم الارهابيين كما اطلق عليهم داخل هذا السجن امام محاكم الولايات المتحدة ووعوده بإخراج القوات الأميركية من افغانستان وتصحيح علاقات بلاده من هذا البلد ولم يتحقق من تلك الوعود شيء وينسحب الامر كذلك على تعهده تحسين علاقات بلاده مع كل من روسيا والصين والسماح لدول اخرى بإحراز تقدم في قضايا ذات اهتمام مشترك بدءاً من ظاهرة الاحتباس الحراري وصولاً الى حركة التجارة العالمية . وقد وجد المراقبون لدى مراجعتهم تلك القائمة من التعهدات ان اوباما اخفق في احراز اي نجاح يتعلق بتلك المشاكل المستعصية اذ لم يتمكن من اقامة علاقات طبيعية مع ايران لا بل على نقيض ذلك اصبحت واشنطن وطهران قاب قوسين بنشوب حرب مدمرة بينهما مع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية الاولى ثم ان الجهود التي يبذلها اوباما لإحياء عملية السلام في الشرق الاوسط ذهبت ادراج الرياح . وبعد عملية مد وجذر ومواجهات عنيفة داخل الادارة الأميركية الحالية اصدر الرئيس اوباما امراً بالسير على خطى جورج بوش الابن المتعلقة بزيادة عدد القوات الأميركية في افغانستان لتصل تلك السياسة الى طريق مسدود لكن خلافاً لنهج بوش الابن ضاعفت القوات الأميركية مؤخراً من الضربات الموجهة ضد باكستان مستخدمة طائرات أميركية بدون طيار مع تصعيد اللهجة الصدامية ضد الحكومة الباكستانية وصور اوباما تلك المبادرة امام الرأي العام على انها دليل قوة الرئيس الامريكي الحالي لكن سرعان ما عملت تلك الضربات خلافاً لما كان متوقعاً الى تردي علاقات واشنطن مع باكستان التي يبلغ عدد سكانها 180 مليون نسمة والتي تمتلك الاسلحة النووية الوحيدة في المنطقة . ورغم ردود الأفعال الايجابية الصادرة في اعقاب إلقاء الرئيس الأميركي خطابه في القاهرة 2009 حين دعا اوباما الى فتح صفحة جديدة بين الغرب عموماً والعالم الاسلامي الا ان شعبية الولايات المتحدة تراجعت ثانية ً في دول هذا العالم ويعود اليوم مؤيدو الاجنحة اليمينية في السياسة الأميركية الى خطاب اوباما المذكور ليشهدوا بأنه كدليل على قيامه بتقديم اعتذارات عن بلاده للعالم الاسلامي لكن في الواقع يعتبر هذا الخطاب حجة تسعى من خلاله واشنطن لإعادة التوازن الى مواقف الادارة الأميركية غير المسؤولة الى جانب اعادة هيكلة العلاقات الأميركية مع تلك الدول ذات المواقع الاستراتيجية الهامة وقد فشلت واشنطن في استقطاب تلك الدول الى مواقفها السياسية المعلنة. رغم ارتفاع معدلات قبول خطاب اوباما في ردهات دول اسلامية ثلاث هي مصر وتركيا وباكستان الا ان تلك المعدلات سرعان ما انخفضت مؤخراً الى ادنى مستوى وصلت اليه عام 2008 وهي السنة الاخيرة لولاية بوش الرئاسية في البيت الابيض وعندما وصل الامر الى ما يسمى ظاهرة الربيع العربي سار اوباما على دروب غير منطقية من خلال طرحه لمثاليات غير موجودة في دفاتر ادارته وغير متوفرة على ارض واقع سياسته وذلك حماية لمصالح الولايات المتحدة قبل كل شيء المصالح الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية ليطلب هذا الرئيس الذي يدعي المثالية رحيل حسني مبارك وليدعم عملية الاطاحة بمعمر القذافي، هذا بينما شاهد بأم عينه وهو الذي يتظاهر بالبرغماتية كيفية سحق ثورة البحرين بوحشية وكان موقفه متردداً وغير ثابت بالنسبة لما يحدث في سورية وبناء عليه اصبح المشهد الأميركي يشير الى تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة العربية فضلاً عن فشل سياساته على ارض الواقع نتيجة عدم التخطيط لها مسبقاً وعدم الاحاطة بمختلف جوانبها. فرغم ان الرئيس اوباما تبنى تلك السياسات عندما كانت العلاقات بين واشنطن وموسكو عادية عند دخوله البيت الابيض لتدخل مرحلة التأزم خلال الأعوام الأربعة الماضية وضمن هذا السياق جاء إعلان ادارة اوباما عن رغبتها في اعادة توليف علاقات واشنطن وموسكو لتتمخض تلك الخطوة وخلال فترة وجيزة عن توقيع الجانبين على اتفاقية الحد من انتشار الاسلحة مع تعزيز تعاونهما في الامم المتحدة علماً ان هذا التوليف ارتبط بوجود الرئيس الروسي الاسبق ديمتري ميدفيدف في سدة الحكم اما اليوم فتحمل عودة الرئيس فلاديمير بوتين الى الكرملين حيوية من نوع آخر على صعيد العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة . هذا ولتصنع امنيات اوباما الجديدة علاقات تعاون مثمرة مع بكين القوة العظمى الصاعدة في هذا القرن وقد فتحت القوتان الصينية والأميركية ابواب الحوار بينهما على مصراعيها قبل ان تحتدم المشاحنات بين الجانبين على صعيد المبادلات التجارية والتغير المناخي وحقوق الانسان على هامش تصعيد حدة التوتر بينهما في المحيط الهادي . هذا ولم يتمكن الرئيس اوباما رغم فوزه بجائزة نوبل للسلام من ان يترك بصمته الخاصة على الحراك الديبلوماسي الدولي ولا تزال الامم المتحدة على سبيل المثال رغم السياسة الأوبامية المتقلبة معطلة نتيجة الفساد المتفشي في اوصال المنظمة الاممية. فبعد ان لعبت دول العشرين عام 2009 بوصول اوباما الى البيت الابيض دوراً في استقرار وترسيخ مسارات الاقتصاد العالمي ها هي اليوم تصبح مخيبة للآمال في انحاء متفرقة من العالم اذ غابت أي اتفاقيات جديدة خاصة بالمبادلات التجارية العالمية وبالتقلبات المناخية وسواها من القضايا العالقة فلو علم اوباما المنتخب عام 2008 كرئيس للولايات المتحدة ان القائمة التي تضم التغيير المناخي والتجارة العالمية وحقوق الانسان تشكل مطالب دولية يتوجب عليه تنفيذها لأصيب بخيبة أمل ففي عام 2008 خاض اوباما انتخابات الرئاسة الأميركية كمرشح مناوئ للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ليثير السخرية عندها لان انجازه الوحيد الذي يثار حوله لغط كبير هو القضاء على اسامة بن لادن . بقلم: جدعون رشمان |
|