|
دراسات- ترجمة وكيف ايقظ الاستفتاء على الدستور الأوروبي النزعة القومية في دولة من رقادها? في مطلع هذا العام طلبت القيادة الأميركية للناتو المحتشدة في المانيا من الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي زيادة حصة مساهماتها المالية في ميزانيته للسنوات الخمس القادمة تحت ذريعة تحديث أسلحة قواته للتدخل السريع وتسريع رقعة انتشار قواعده في القارة السمراء وصولا إلى جنوب شرق آسيا مرورا بالشرق الأوسط. وسرعان ما وجهت واشنطن حملتها المدعوة مكافحة الارهاب في هذا الاتجاه لكن امتناع عدد من دول الاتحاد الأوروبي عن مشاركة كل من لندن وواشنطن في الحرب على العراق على غرار المانيا وفرنسا وبلجيكا كشف عمق الخلافات السياسية بين الحلفاء الغربيين مع اندلاع ازمة فجرها البيت الأبيض لفرض سيطرته على القرار السياسي الأوروبي, وراحت واشنطن تطلق انتقاداتها اللاذعة على لسان عدد من المسؤولين في ادارتها الحالية للسياسة التي تتبعها الدول الأوروبية الرافضة للغرق في مستنقع حروب عنوانها ( الفوضى البناءة) وظهرت بوادر تلك الخلافات بين ضفتي الاطلسي خلال مؤتمري دافوس العام الماضي وايفليز لاند العام الحالي فبينما طلب الاتحاد الاوروبي من المجتمعين شطب ديون الدول الأكثر فقرا في العالم وتعويضها باستثمارات جديدة تعمل على تحريك العجلة الاقتصادية فيها سعت واشنطن لعرقلة هذا المشروع ومقايضته بشرط اقامة الناتو قواعده العسكرية الغائبة في تلك البقاع فوق اراضي تلك الدول التي تعاني من الحروب الأهلية وما تجرها من ازمات جوع وأمية وبطالة. وقد اندلعت المشاحنات بين الجانبين الأوروبي والأميركي منذ مطلع الألفية حين نشرت منظمة الطاقة الدولية التابعة للأمم المتحدة تقريرا يفيد ان القارة السمراء تمتلك بمفردها 8% من احتياطي النفط من العالم مع العلم انها موطن اشد الدول فقرا في العالم ولتسجل كل من انغولا ونيجيريا والكونغو والغابون والكاميرون وساحل العاج زيادة من نسب مبادلاتها التجارية الخارجية رافق تلك الطفرة التي لم توظف في حينها بشكل مناسب وابدى كل من الأوروبيين والأميركيين اهتماماتهم بالذهب الأسود المكتشف بالقارة السوداء بعد أن نضبت حقوله في العديد من الأماكن الأخرى من العالم, ولتشهد تلك الدول زيارات متكررة لكل من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية بيل كلينتون ثم جورج بوش الابن مرورا بالرئيس الفرنسي جاك شيراك ونظيره الألماني غيرهارد شرويدر بعد الرئيس الصيني جينتاو, ولتعزز تلك الزيارات تعاون الاتحاد الأوروبي على صعيد التنمية الاقتصادية مع بعض الدول الافريقية التي كان قد علق علاقاته معها ( على غرار غينيا) ولتوقع واشنطن عدة اتفاقيات سلام مع الدول المنتجة للنفط والتي مزقتها الحروب في القارة السمراء على غرار السودان وانغولا, وتخفي تلك الاتفاقيات مشاريع بناء قواعد استراتيجية لحماية الانتاج النفطي فيها ما يعني ان عددا من تلك الدول الافريقية النفطية ستجني (200) مليار دولار خلال العقد القادم من هذه العملية اي عشرة اضعاف المبلغ الذي يمنحه الشمال كمساعدات للدول الأكثر فقرا فيها, وليتأجج النزاع بين الأوروبيين والأميركيين على هامش تطاحن شركات النفط المتعددة الجنسية للاستئثار بعقود التنقيب والاستثمار في تلك البقاع. اما فيما يتعلق بالجانب الأوروبي فقد بدأت الشكوك تتنامى حول مستقبل اوروبا فبعد رفض الفرنسيين الموافقة على الدستور الأوروبي أواخر شهر ايار 2005 جاء فشل الزعماء الأوروبيين في التوصل إلى اتفاق حول ميزانية الاتحاد. ويرى المراقبون ان العوائق الأساسية التي تضمنتها المناقشة حول مستقبل اوروبا الاقتصادي تكمن في الاستثمارات الأوروبية والأميركية. وقد اظهرت الدراسات ان اكثر من 50% من المواطنين الذين صوتوا ب ( لا) خلال الاستفتاء الذي جرى في فرنسا فعلوا ذلك من اجل اسباب اجتماعية واقتصادية وتراود الأوروبيين مخاوف من تعطيل مشروع أوروبا الاجتماعية الذي كان يشكل ملجأ بالنسبة لهم, وبصراحة فهم ليسوا مهتمين بإزالة النظام القديم والموثوق واستبداله برؤية جديدة تمثل من وجهة نظرهم الوجه الآخر لليبرالية الانكلواميركية مع اشتداد حدة المنافسة العالمية على الصعد الاقتصادية ادركت الحكومات الأوروبية في نهاية المطاف مدى الحاجة لاجراء اصلاحات تشمل عدة قطاعات. فقد اخذت مرونة اسواق العمل تتزايد في العديد من الدول وانخفضت مستويات الفائدة بينما ارتفع عدد ساعات العمل. وسوف تسهم تلك الاصلاحات في تجاوز الهدف من تزايد التوظيف في أوروبا وقد تم تضمين هذا الهدف في مذكرة لشبونة لقمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت عام 2000 والتي طالبت بزيادة معدل مساهمة اسواق العمل من نسبة 63% إلى 70% بحلول عام 2010 هذا ويتوقع ارتفاع معدلات التوظيف في دول الاتحاد الأوروبية من سبعة ملايين إلى 163 مليونا خلال السنوات الخمس القادمة, لذلك يجب التسريع في خلق او توفير فرص العمل وضخ أموال اضافية على صعيد الاستثمارات الخارجية فخلال العامين الماضيين انخفض معدل توفير فرص العمل بشكل فعلي إلى مادون المستوى المطلوب, ولحسن الحظ يبدو ان رجال السياسة الأوروبيين تنصب جهودهم في هذا الاتجاه, ففي المانيا على سبيل المثال تعهد الحزبان الرئيسان فيها بزيادة المرونة في أسواق العمل ووضع حد لتكاليف الأجور الباهظة. ورغم ذلك فإن مذكرة الاصلاح الأوروبية لا يمكن ان تتوقف عند سوق العمل فزيادة معدلات المساهمة ستؤدي مبدئيا إلى تقليص انتاجية العمل والتي هي اصلا تتجه نحو الانخفاض في أوروبا, وهكذا بات من الضروري وضع معايير تسهم في انكماش او تقليص فجوة نمو الانتاج ما بين اوروبا والدول والاقاليم المجاورة لها. وقد اتخذ رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي خطوة في الاتجاه الصحيح في مذكرة لشبونة عندما اتفقوا على تشجيع واستقطاب الاستثمارات وتحسين ظروف العمل وتحفيز المعرفة والابتكار, ويكمن التغيير الاخير من خلال اتخاذ خطوات فعلية كفتح مزيد من الاسواق أمام البضائع والخدمات. وعلى المستوى القومي فإن تحسين نوعية التعليم وانفاق رؤوس الأموال من الأهمية بمكان لزيادة الانتاجية ولكي تصبح اوروبا مركزا لاستقطاب المستثمرين فهناك حاجة لتقوية وتدعيم الانفاق العام في مجالات عديدة كرعاية الطفولة وتحسين التعليم واقامة دورات تدريبية. فأوروبا بحاجة لإدراك ان الاساليب القديمة المتبعة في انجاز المشاريع التجارية لم تعد مجدية او تفي بالغرض على الاطلاق. وهذا يستلزم وجود تصور جديد حول كيفية دمج متطلبات عالم يتسم بالعولمة والديناميكية مع ما تم انجازه على الصعيد الاجتماعي الأمر الذي نفخر به نحن الأوروبيين,ومن المرجح أ ن يتم اختيار النموذج الأوروبي مستقبلا على نحو اكثر دقة, كما يجب ان يضع هذا النظام بعض الأولويات الواضحة عوضا عن انفاق مبالغ هائلة على برامج تحقق مكاسب اكثر بقليل مما يحققه اعادة توزيعها ضمن الطبقة المتوسطة ويجب ان يكون توفير فرص العمل كوسيلة للتخلص من الفقر مرتكزا اساسيا اضافة لتطبيق شروط صارمة ترتبط بنفقات التحول الاجتماعي, وهنا لا حاجة للاحساس بمزيد من المسؤولية الشخصية في حالات التقاعد والرعاية الصحية وفي الوقت ذاته فإنه يتوجب منح حق التمليك لأولئك الذين تنخفض دخولهم إلى ادنى من المستوى المحدد. وفي الختام فإن التطور الذي سيشهده الاقتصاد الاوروبي لن يتميز بالاعتماد وبشكل كبير على الأسواق الحرة واسواق العمل المرنة فحسب, بل ويتميز ايضا بما يشبه شبكة الامان المتينة. وقد تبين ان هناك تقاربا بين النموذج البريطاني والأميركي بينما يبقى هناك اختلاف في التوازن الأوروبي القائم ما بين الأسواق الحرة والترابط الاجتماعي. |
|