|
الغارديان هذه هي المقولة التي جاهد رئيس الوزراء البريطاني مطولاً للتبجح بها. وهو يحاول بعد تحقيقه نجاحه الاستثنائي أن يقلل من حدة الثوران الطويل الأمد ضده والذي لا يمكن أن يشكل إلا إساءة لسمعة السيد بلير أو معارضة لصالح الشعب البريطاني أو يسيء لكليهما معاً. يبدو أن اللعبة التي تحدث عنها لم تدخل في سياق الأمن القومي بعد أن قتل العديد من البريطانيين وهم في طريقهم للشروع بأعمالهم اليومية, وهذا التصريح من شأنه أن يتغلغل إلى قصر سوء السمعة السياسية عندما يستخدم بلير مجرد كناية هزيلة بلا معنى. ما هي إذاً تلك (القوانين)?. يبدو أنها لا تشير فقط لتمثيل حقوقنا الإنسانية وإنما تلمح إلى قرون من التقاليد البريطانية. تلك القوانين المعارضة لأساليب الاضطهاد والتعذيب ومظاهر الاعتقال الجائر والحق بالمطالبة بمحاكمة عادلة وحريات الضمائر والتعبير عن الآراء ومبدأ المساواة في ظل قانون واحد- رفضت جميع هذه المبادىء في مجتمعنا ووصفت بأنها ساذجة وقديمة الطراز, وإذا أراد بلير أن يتظاهر بأنه من أولئك القادة العظماء الذين يحاولون بث روح التفاؤل في نفوس الشعوب وإلهامهم بأنه عازم على تحقيق مطامحهم من خلال مساعيه الجادة والصعبة والتضحية بالذات من أجل مثاليات يعتز بها, فأكثر ما أخشاه أنه سيفشل في هذه المهمة. في هذا الزمن المقلق لم يعترف أحد منا بوجود التهديدات الإرهابية بلا سبب فقد كان توني بلير نمطياً ومزاجياً تجاه جميع الأحزاب السياسية المعارضة له وتجاه السلطة البريطانية القضائية العليا واتجاه كل من وقف ضد مؤامراته الديكتاتورية حتى أننا فقدنا الإحساس بالأمل ولم نعد نصدق بأن التهديد الإرهابي قد وجد من فراغ وبدا بلير مطمئن البال إلا أن ( الحالة النفسية مختلفة الآن لأسباب واضحة, لكن هذه الثقة بالنفس سابقة لآوانها,فعليه أن يتذكر أنهبرفي الوقت الذي عانى فيه من غضب القادة الديمقراطيين, كانت في الواقع جميع ترتيباته المسبقة (للحرب على الإرهاب)مجربة وخاضعة للاختبار. إن وجود القوى المسلحة الساحقة وحوادث الاعتقال أثناء الحرب وانزال العقوبات دون المثول أمام المحكمة- وحتى حرب العراق, جميع تلك الإجراءات لم تمنع ما حدث من فظائع الشهر الماضي ويبدو الأمر جلياً بأن اتباع مثل هذه السياسات من شآنه أن يخلق مزيداً من الإرهابيين عندما يكون دفاع بلير السياسي المستميت لتبرير أفعاله إساءة وإهانة كبرى له وفي كل حال, يبدو أن ما تفضل به بلير من البداية أكثر تضليلاً وخداعاً من قبل وذلك لأسباب عملية واضحة ومبادئ ثابتة ولا ينبغي أن يبقى المسلمون لوحدهم في ساحة العراك مع الخوف لأجل مستقبلهم وإن أتيحت الفرصة للسيد بلير ليبني مستقبل بريطانيا كما خطط له مسبقاً فهذا لا يعني بأن القوانين ستتغير, بل إن مجتمعنا هو الذي سيتغير. إن ديمقراطيتنا تضعف من مواقف الانتحاريين الذين ليس بوسعم إلا أن يحلموا بتحقيقها. رئىس الوزراء محق تماماً في قوله أن ( هنالك ما يهدد بريطانيا وما هو آت ليس في صالحها). فقد تمتع وزراء الداخلية لوقت طويل بحرية التصرف وإبعاد هذه الأفكار التي ( لا تؤدي إلى الصالح العام). فيما المحاكم البريطانية ممتنعة عن التدخل بشؤونهم. لكن لا ينبغي تشويه ذلك الصالح العام الذي نتكلم عنه وهذه واحدة من بعض الحقائق في إطار حقوقنا السياسية ومن المدهش حقاً أن يتهافت نقاد هذه القيم إليها كما تنجذب الفراشات نحو ألسنة اللهب. المبدأ هذا في غاية البساطة فالديكتاتوريون والإرهابيون يمارسون أنواع التعذيب على فريستهم. بالنسبة لهم الغايات تبرر الوسائل والحياة الإنسانية للأفراد رخيصة الثمن أما الديمقراطيون فينحنون باتجاه آخر إنهم يشنون حرباً أو حتى يطلقون النار على مجرم لحماية حياة فريسته إلا أن المعاملة الوحشية واللاإنسانية التي تحط من قدر البشر وأساليب التعذيب, جميعها بغيضة ومقيتة وتنتهك إحساس الإنسان بإنسانيته سواء بالنسبة لمن يمارس التعذيب والتضحية على قدم المساواة. لقد عانى كين بيجلي من التعذيب كماعانى منه أولئك الذين مارسوا عليه أساليب العنف. وتبدو القضية غاية في الصعوبة بأن تعرض على محاكم الرأي العام العالمي عندما نكون نحن أنفسنا مشتركين بالشعور بالمعاناة والتعذيب. وسيجادل البعض ويقول بأن من يتعرض للتعذيب في الخارج غير الذي يمارس التعذيب في المملكة المتحدة. لو كان هذا صحيحاً بالفعل لبدت الحقوق الإنسانية عار علينا, ويصرح رئيس الوزراء بأنه سيستخلص (تقريراً للتفاهم ) مع الأنظمة السياسية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وعندما تخفق التعهدات التي تخدم صالحه في كسب إرضاء محاكمنا عندئذ سيعفيها من صلاحياتها بتعديل حقوقنا الإنسانية. كما وعد بلير بأن يعامل كل شخص ( يتغاضى أو يبرر) عمليات الإرهاب في أي مكان في العالم على أنه مجرم يستحق العقاب وسعى وزير الداخلية من قبله إلى تضييق المفهوم الواسع ( للتحريض غير المباشر على الإرهاب) ومثل هذا القانون من شأنه أن يدين جميع أشكال المناقشات التي لاعلاقة لها بالتحريض المباشر على الإرهاب, يجب إبعاد حزب التحرير, لكن إن كان هنالك من ضرورة فعلى القوى التي تحد من انتشار المنظمات الإرهابية التوسع لداخل الممالك حالاً والتي تنتشر فيها الأحزاب السياسية المتطرفة وغير الإرهابية. لكن ليس من العدل في شيء أن تمنع الديمقراطية عن المنظمات السياسية اللاإرهابية مهما كانت متطرفة ومن المؤكد أنه من غير الحكمة منافسة اتجاهات وميول الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط بسياسات مماثلة,ولكن هل سنصادف خلال الأشهر والسنوات القادمة تحريم وجود أحزاب سياسية يمينية أو يسارية متطرفة?. تفضل قوى الأمن وقوات الشرطة أن تعتقل أولئك المشتبه بهم على أنهم إرهابيون مدة ستة أشهر بدون أن تتهمهم بشيء. وهنا من الحري بك ألا تفكر بشأن أولئك الذين حوكموا أخيراً ولكن فكر فقط بأناس عادوا إلى مجتمعاتهم بعد فترة اعتقال تقارب الثلاثة أشهر بدون أن يواجهوا أية اتهامات. أصبح متطوعوا الإرهاب يرون هذا النوع الجديد من الاعتقال أثناء الحرب في أحلامهم ويقظتهم وبدت هذه القوى التنفيذية بسعيها لتصفية أماكن العبادة وإعطاء وصفة طبية غير مناسبة تثير الإشمئزاز والقشعريرة في النفوس وتحقق عكس المطلوب. لا يمكن للديمقراطية أن تدافع عن نفسها عندما تتجه لتقليد منحى معارضيها ولن تتغير (قوانين اللعبة) بمجرد أن يتسرب السأم إلى نفوس ممثليها مهما كانوا أشداء وذوي سلطة ونفوذ. لقد تحملت الأجيال السابقة عبء الحرب وما أنتجته من رعب لكن بقيت حقوقنا وحرياتنا ملكاً لنا ولا يمكن لأحد أن يغتصبها, وهذا الإرث هو أعظم وأهم ما في الوجود ولا ينبغي أن نتنازل عنه أو نتاجر به. * رئيس تحرير المجلس الوطني للحريات المدنية |
|