|
ثقافة
فلقد تميزت كتابات الدكتور هزوان الوز بإيمانه بأن الرواية الجيدة والمجموعة القصصية الجيدة هما ابنتا كل الأزمنة، وما النصوص التي كتبها إلا اعتراف إبداعي بأن ما يكتبه سعي للمعرفة، ومجابهة لما يدور حولنا، فهو من الذين يؤمنون بأن ما يكتب هو رؤية وبناء وفرادة تمتلك القارئ الذي يعي قيمة ما يقرأ. وعصة بحر المجموعة القصصية الجديدة له، والتي صدرت عن اتحاد الكتاب العرب، تضم ثماني قصص، اثنتان منهما طويلتان، وست قصص قصيرة، وفيها يتابع كتابته القصصية التي تسعى إلى تهذيب الوجدان، وتحليل البنية الاجتماعية والتربوية والفكرية، أكثر من سعيه وراء الفن القصصي كفن، ويبدو أنه من المؤمنين بأن الأدب رسالة، ولايزال يعتقد أن الأدب يمكن أن يحدث تغييراً، لذا هو في أدبه، وفي هذه المجموعة تحديداً يغلّب الجانب الفكري على الجانب الفني، ويضع خلاصة تجربته العملية في نص ينقله إلى القارئ محملاً بكثير من الرسائل التي تستدعيك أن تعيد النظر والتأمل أكثر من إبهارك بالفن القصصي. و«عصة بحر»، مجموعة قصصية مفردة تشكل مرآة محتشدة بكل ما يعتمل ويجول في الذات السورية التي أدمتها أخبار الحرب، وشققت روحها ما أبدته الكراهية من صور وطيوف آيتها السواد. مع أن القاص قدم صورا فنية عالية، يصير فيها الأدب الجميل سرير الحياة، بل الحياة لما فيها من أمطار الرضا والقبول والتآخي، وهنا تظهر براعة الدكتور الوز وهو يعدّ مجموعته التي أشار فيها إلى الأزمة في سورية والحرب الكونية على سورية، فقد عالج الموضوع من خلال مداخيل مجتمعية، هذه الإشارات هي التي أوصلت إلى (عصة بحر) أو غصة إنسان وبحر وهو يبتلع الأحباب الذين غادروا ليسكنوا بطون كتب وذاكرة، وفي النصين الأولين يخرج علينا القاص بفكرتين طريفتين قديمتين، لكن اليقين بأن المجتمع لايزال يقف عند حافة الانتقال إلى منطقة أخرى، ولم يفعل جعله يقف عندهما، ففي قصة الديك قدم قصة تتناول مجموعة قضايا منها: المتحفية العلمية، العناية بالحيوان، مجتمع الذكورة ومفهوم الديكة. وفي قصة الوصية يعالج قضية اجتماعية ربما تتعرض لها أي مديرة لمدرسة وفي أي مكان، حيث يتم نقل معلمة من مدرسة إلى أخرى وهذه المعلمة تعاني من قضية استدعتها إلى التغيب الدائم والسؤال عنها ليثبت فيما بعد أن هذه المعلمة كتبت وصية في أوراقها الموجودة لدى نقابة المعلمين تقول فيها «لمن أوصي..؟ ولم..؟ لأخي الذي جعلني اتشظى بين الأخوة كمفهوم وحالة إنسانية تجعل الحياة بطعم الشهد ولون السماء.. وتختم وصيتها: اشتروا بالمبلغ الذي استحقه من صندوق النقابة كتبا لمكتبة المدرسة «كم هي معاناة تلك المعلمة من هذا المجتمع الذي لايرحم، الوصية تعيدنا إلى قصص النصف الثاني من القرن العشرين، وتتملكك الدهشة عندما تقرؤها، لكن معالجتها من قاص مطّلع يدل على أنها فكرة لاتزال موجودة، وربما عادت إلى واجهة القضايا، وهي قضية حرية المرأة في الخيار، وبالتالي حرية الفرد بأن يصل إلى غاياته التي رسمها. وتتوالى الصور في مجموعته القصصية، صور فنية غنية في أحداثها المعبرة، حيث الصراع بين ديكين أحدهما إنسان متسلط والآخر ديك عاجز، النظرة إلى الديك المنتوف الريش، ولنا أن نتخيل أبعاد الريش المنتوف، عذوبة الصوت لدى الديك وأهمية وجوده، وخطورة أن تكون الحياة بلا نغم ديك، استمرارية الحياة، وقدرة التجدد الذي يتحدى الظروف والمواقف. وبين عصة بحر القصة، وبائع الكتب تتربع في المجموعة عصة وطن، وفي هاتين القصتين لم يستطع الكاتب وهو المراقب العارف ببعض التفاصيل أن يشيح الوجه عما يجري على أرض الواقع، وقد استعان بما عرف وما سمع وما يعرض على الشاشات لتصوير معاناة السوريين اللاجئين الذين يمتطون البحر للوصول إلى غاياتهم في الهروب من الحرب ومحاولا أن يكون محايداً في عدد من المواقع والحوارات. اذاً نحن في هذه المجموعة القصصية أمام محاولة جمعت شخصيات متعددة المشارب لتحديد وتحليل مايجري في سورية، وهي بالتالي جرعة انتماء لسورية من أولئك الذين اندفعوا إلى الزورق الذي تباطأ بما تبقى عندهم من قوة أتى الماء والخوف على أكثرها، أحدهم غطت الدماء وجهه، كان مصاباً بجرح غائر في رأسه، وردد غير مرة: سأموت ولا أعرف إن كنت سأدفن في سورية..فوق الموتة عصة قبر فوق الموتة عصة بحر». الكاتب غاص في عمق الأبعاد الاجتماعية لمجتمعنا وقدم رؤية متعددة الغايات لما يجري من حرب على أرض سورية يذهب ضحيتها الوطن والإنسان. |
|