|
شؤون سياسية استخدمت فيها كلّ أساليب القتل والتخريب والاغتيال، ترافقت بأوامر وتهديدات داخلية وخارجية ، أدّت إلى تصعيد العمليات الإرهابية، أمام ضربات الجيش العربي السوري وصمود الشعب السوري الأصيل . بدعم خارجي لقد كانت سورية عبر تاريخها الطويل أنموذجاً لتعايش الأديان والطوائف بين فئات الشعب الذي تجمعه ثلاثية مترابطة ومتكاملة ، هي (الإيمان بالله والانتماء للوطن ومحبّة الآخر ) وهو يستعدّ كلّ عام لاستقبال ذكرى ميلاد السيد المسيح بالحفاوة والتكريم والفرح الذي يليق بمقام رسول المحبة والسلام لبني البشر أجمعين ؛ ولم يكن أحد يتصّور ، أو يتوقّع ، أن تصل الأوضاع في سورية إلى ما آلت إليه . وعلى الرغم من معاناة الأزمة التي يعيشها الشعب السوري ، كان يستعدّ لاستقبال هذه الذكرى المجيدة وكلّه أمل أن يحمل هذا العيد فجر ميلاد جديد لسورية الوطن والشعب ، ميلاد ينهي الأزمة المؤامرة بما فيها من أشكال الفتنة والقتل والإرهاب، ويبدأ عام جديد يعيد إلى سورية الأمن والأمان ، والاستقرار والسلام ، في وطن المحبّة والسلام . ولكن أيدي المجرمين الإرهابيين الآثمة ، الملوثة بدماء المواطنين الأبرياء ، امتدت كعادتها قبل أي مناسبة ، لتزعزع الأمن والاستقرار ، وحسبها أن تغتال بسمة الفرح والأمل في عيد المحبة والسلام ، فقامت العصابات التكفيرية باجتياح أديرة معلولا، وخطفت الراهبات وحطّمت الصلبان والإيقونات ، ثمّ ارتكب الإرهابيون فعلتهم الوحشية الشنيعة في مدينة عدرا العماليّة ، التي راح ضحيتها أكثر من مئة شهيد وعشرات الجرحى والمخطوفين من المواطنين الأبرياء ، ممن كانوا في بيوتهم أو ممن كانوا في طريقهم إلى اعمالهم، أو من الطلبة الساعين إلى مدارسهم ، بعدما قصفوا بقذائفهم الحاقدة عدداً من المدارس والكنائس في دمشق وغيرها . فكان الشهداء العظام هدية الأوغاد في عيد المحبة والسلام . لم يرتكب الإرهابيون التكفيرون أفعالهم الإجرامية لاغتيال عشرات من الضحايا الأبرياء فحسب، بل لكي يغتالوا الأمن في سورية ويروّعوا المواطنين ويزرعوا اليأس والإحباط في نفوسهم ، ولكنهم فشلوا فيما خططوا وأرادوا، لأن الشعب السوري بفضل وعيه وتماسكه وثباته ، واجه أفعالهم النكراء بوقفات واحدة قوية ، وهبّ بكل فئاته وشرائحه الاجتماعية والسياسية والدينية ، ليقول لهم : «نحن أبناء سورية ، وكلّنا شهداء كرمى لسيادة سورية ووجود سورية وكرامتها ، ولم ولن ، ترهبنا أفعالكم الإرهابية، مهما بلغتم فيها من الوحشية والإجرام «. لقد وصلتنا هداياكم التي حملتها أياديكم الآثمة أيها الأوغاد المأجورون، يا أعداء الله والإنسانية ؛ وصلتنا هداياكم ملطخة بدماء الشهداء الأبرار الذين قدّموا أنفسهم قرابين طاهرة على مذبح أمن الوطن وسلامه ، في عيد ميلاد السيّد المسيح، رسول المحبّة والسلام ، من أجل أن ينعم بني الإنسان بالأمن والسلام ، وتتحقّق ترانيم الملائكة ( المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة ) . وعلى الرغم ممّا حصل من معاناة ومآسٍ ، فقد عبّر الشعب السوري عن تماسكه الوطني وانتمائه الأصيل ، بتلك الصلوات الميلادية وترانيمها في الكنائس كافة ، حيث شارك فيها رجال الدين الإسلامي والمسيحي من الطوائف كافة ،إلى جانب المسؤولين في الدولة والقوى الوطنية ؛ صلّوا معاً صلاة جماعية من أجل عيد الميلاد، وعلى أرواح الشهداء الأبرار ، وهم يستنكرون الأعمال الإرهابية المجرمة التي راح ضحيتها مواطنون أبرياء. ويعبرون عن تمسكهم بوحدتهم الوطنية ضد أشكال الفتنة والتدخل الخارجي ، ويدعون أبناء الوطن ليكونوا يداً واحدة في مواجهة أي خطر يهدد أمن الوطن وسلامته . بينما كان الأطفال ينشدون للميلاد ولاستقبال (بابا نويل ) وهو يحمل إليهم الهدايا التي تعيد لهم الأمن والفرح والابتسام، وكانت في المقابل ، الآلاف من الجماهير تضيء الشموع تكريماً لأرواح الشهداء الطاهرة وتهتف لعزّة الوطن وكرامته ، مع الأمل والرجاء بزوال الظلمة الطارئة وحلول نور الأمن والسلام . وعزّزت تلك اللحمة الوطنية الرائعة ، تلك الأفكار النيّرة والدعوات الصادقة التي جادت بها تلك الندوات واللقاءات التلفازية التي رافقت مناسبة عيد الميلاد على قنوات مختلفة، وشاركت فيها نخبة من رجالات الدين الإسلامي والمسيحي ، وأكدوا فيها على التآخي والعيش المشترك بين أبناء سورية منذ آلاف السنين ، في هذا البلد الأمين . وإذا كان الشعب السوري لم يحتفل بعيد الميلاد بالمظاهر الاجتماعية المعتادة، فإنّه احتفل بمظاهر أعمق شعوراً وأصفى نقاوة ؛ احتفل بصلواته المقدّسة على أرواح الشهداء الطاهرة ، وهو يرفع الدعوات إلى الله العلي القدير أن يحفظ سورية / الوطن والشعب، وأن يجعل شهداءها نجوماً تضيء شجرة الميلاد المجيد ، تخليداً لهم في هذه الذكرى المقدسة . وليكون ذلك إيذاناً بفجر جديد في عام جديد يضيء أرض سورية الطاهرة وسماءها الصافية ، بنور المحبّة الروحية ، وينشر في ربوعها الأمن والأمان ، ويمنح شعبها العزّة والكرامة ، ويعطي وجودها القوة والسيادة والثبات ، والتقدّم إلى المستقبل المشرق. وإذا كان هؤلاء المجرمون فقدوا مشاعر المحبة والسلام ، وتخلوا عن قيمهم الروحية والإنسانية ، وباعوها لأعداء الوطن والإنسانية ، فإن الشعب السوري الأصيل سيكون على موعد مع الميلاد الجديد ،في يوم الخلاص الأكيد ، خلاص سورية من المجرمين وأعمالهم الإرهابية ، والخلاص من الفتنة والقتل التكفيري ؛ وسيكون ميلاد جديد لسورية وهي أشدّ قوة وتماسكاً ، تنعم بمحبة أبنائها الأوفياء المخلصين ، وبثمار استقرارها وثباتها على القيم الأصيلة ، وبدفء أمنها وسلامها؛ لتبقى أبداً سورية الحضارة والتاريخ النموذج الأمثل والأروع للوحدة الوطنية الراسخة في المحبّة والتآخي ، رسوخ تاريخ سورية وحضارتها الخالدة، ومهد الرسائل السماوية المقدّسة. |
|