تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ضحايا الإرهاب والعدالة الدولية المغيبة

شؤون سياسية
الخميس 2-1-2014
منير الموسى

للأسف يخطئ كثيراً من يعتقد أن الحروب الدائرة في البلدان العربية هي حروب طائفية تشبه حروب أوروبا في القرن السادس عشر التي بدأت عام 1435م وانتهت بعد مئة عام.

والمستهجن أن تزعم المبعوثة الأممية بشأن حقوق الإنسان كارلا دل بونتي أن كل المتقاتلين في سورية أشرار وتتجاهل أن المأساة في سورية تتالى فصولها على يد آلاف المقاتلين الأجانب القادمين من كل دول العالم للقتل والذبح والتدمير نيابة عن الإمبراطورية التي تتحكم بكل مبعوثي الأمم المتحدة، مع أنها تزعم عدم قدرة كوادرها على المجيء إلى سورية، لذلك فإنهم يأخذون إفادات الضحايا الذي فروا إلى الدول المجاورة، بينما الحقيقة هي إفادات تقارير قناتي الجزيرة والعربية الإرهابيتين المتصهينتين وأخواتهما من وسائل الإعلام الغربية الصفراء.‏

تتحدث المسؤولة الأممية عن عدم احترام القواعد الدولية المتعلقة بالنزاعات المسلحة بين المتقاتلين في سورية دون تكييف موضوعي للإرهاب الدولي، وتتحدث بشكل ضبابي عن تعذيب وقتل دون الكلام عن إرهابيي إمبراطورية الناتو الصهيونية، ولا عن الدول التي تدعمهم مثل إسرائيل والسعودية وفرنسا وبريطانيا وأميركا.‏

في أيار 2013 أقرت دل بونتي بأن الإرهابيين استخدموا غاز السارين في خان العسل، ثم أنكرت ذلك بضغوط من واشنطن فباعت ضميرها، وتملصت من الحقيقة التي حرفتها بالقول إن التحقيق لايزال جارياً وتركت الأمور معلقة في كل المرات التي استخدم فيها الإرهابيون أسلحة فتاكة أو مواد كيميائية، حتى آذار 2014 عند اكتمال التحقيقات، وشأنها شأن كل من يمتثل لسياسات واشنطن، فهي تزعم أنها تعمل دون أن تبالي بالضغوط السياسية أو بالمواقف الخاصة.‏

للأسف دل بونتي لا تتحدث عن محاربة الإرهاب في سورية، بل تروج لما تريده واشنطن، كأن يجلب المؤتمر الدولي بشأن سورية في 22 كانون الثاني حلاً سياسياً يقوم على وقف إطلاق النار، أي على الدولة السورية وقف إطلاق النار والتفرج على إرهابيي الناتو وهم يفتكون بالشعب السوري وبمقدراته وثرواته وآثاره وحضارته! ولا تريد للجيش العربي السوري أن يحسم المعركة على الإرهاب عسكرياً.‏

وتندب دل بونتي الحظ لأن ما تسميه معارضة سورية، منقسمة إلى عدة مجموعات، وثالثة الأثافي أنها تدعو إلى تفويض الإبراهيمي بتمثيل المعارضة المنقسمة في المفاوضات، وعندما نعرف أن هذه المعارضة خلبية وليس لها أي حظوة على المسلحين الإرهابيين، فهل سيغدو الأخضر الإبراهيمي ممثلاً لإرهابيي الناتو الأجانب؟!. وهل مطالبة السوريين بمحاربة الإرهاب في سورية يعد من الشروط المسبقة، وإذا لم يُحارب الإرهاب في سورية فهل سينجح أي جهد دولي بالحل السياسي أم سيكون الفشل ذريعاً؟ ولا نعرف ما الصفة التي تراهن فيها دل بونتي على نجاح مهمته.‏

وإذ كثر الحديث هذه الأيام عن تجارة الأعضاء البشرية، نسأل دل بونتي لماذا لم يلاحق محققوها شبكات تجارتها حول العالم وتفيدنا إلى أين وصلت التحقيقات بهذا الأمر، ولتبدأ بما تنشره الصحافة الغربية أصلاً، لأن تجارة الأعضاء البشرية لها شبكاتها الدولية التي مركزها الرئيسي تل أبيب، وأغلب ضحاياها من الأطفال، إضافة إلى تركيا أردوغان وخاصة نجله بلال المطلوب للمثول أمام القضاء في تركيا على خلفية فضائح الفساد لدى حكومة أبيه التي انتشرت روائحها في كل العالم والذي فرّ إلى جورجيا هرباً من الوقوع تحت طائلة القضاء التركي.‏

ولا عجب ألا يتحرك المجتمع الدولي بوضع لجنة عالمية لمطاردة المتاجرين بأعضاء أطفال الشعب السوري، أو بمتابعة من تاجر بالأعضاء الحيوية لشعب رواندا أو صربيا، أو الجزء العربي من إفريقية، أو البرازيل أو كولومبيا والمكسيك؟! وعلى الأغلب لن نشهد أبداً تجار الأعضاء البشرية يمثلون أمام محاكم دولية بتهمة جرائم ضد الإنسانية، لأن مجلس الأمن سيتعطل فوراً ولن يتقدم خطوة باتجاه فضح المتاجرين بالدماء والأعضاء، بل همه قلب الدول أو تقديم الغطاء لتدميرها إن تسنى ذلك لمصلحة الدول الاستعمارية التي تحظر الكثير من الأشياء ثم تغدو أول المتاجرين بها بدءاً من المخدرات وتبييض الأموال وليس انتهاء بالأعضاء البشرية والرقيق الأبيض. ولو أراد فعلاً مجلس الأمن أن يناقش قراراً بناء على اقتراح من أي دولة بمحاربة الإرهاب هذه الأيام فسنجد أول المصوتين ضده أميركا وفرنسا وبريطانيا، لأن تبعات القرار ستكشف حجم دعمها للإرهاب والتجارات الممنوعة المتفرعة عنه.‏

إن من يبحث عن العدالة من أجل الضحايا يجب أن ينصفهم ولو بقول الحقيقة مجردةً، ولا يمكن لمدع عام سابق أن يطلق الأحكام جزافاً، ومن يرد إنصاف الضحايا فليبحث في نظام العقوبات الاقتصادية على الشعب السوري، وفي نظام الإجراءات الجزائية الإرهابية، القائم على الثأر من السوريين والعتو عليهم، وليبحث فيمن يسرق الآثار السورية، ويقتل الناس ويأكل أكبادهم ويسرق أعضاءهم الحيوية، ويسلح مجموعات القاعدة الإرهابية بالسلاح الفتاك ويدمر البنى التحتية، وعنده فقط يصل إلى كبد الحقيقة، ولا ينقص شعب سورية من يتاجر بدمائه ويكون غطاء لجرائم الإرهابيين ومموهاً لأفعالهم خدمة لإمبراطورية الناتو، بآن معاً.‏

نقول لدل بونتي تابعي في منتجعك وفي لعب الغولف والبريدج، فأنت جدّة وأم، وكم من الأمهات والجدات في سورية ثكلن أحفادهن وأولادهن بسبب حرب الإرهاب وبسبب التضليل الذي يمارس حتى الآن، والجريمة في سورية نصفها إرهاب ونصفها الآخر هو الغطاء الممنوح لهذا الإرهاب، ويبدو أن المجرمين الحقيقيين الذين شنوا هذه الحرب العالمية الظالمة على سورية لن يحاكموا كما حُوكم مجرمو ألمانيا النازية من قبل، ما دامت العدالة الدولية تباع وتشترى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية