تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التسليح الأميركي لإسرائيل.. والمعايير المتناقضة

دراسا ت
الاربعاء 19/1/2005م
محمد حسن صالحة

واشنطن تحذر روسيا من بيع سورية صواريخ متقدمة تستطيع أن تضرب أهدافاً في إسرائيل.

بي بي سي‏

هذا النبأ تصدر نشرات أخبار إذاعة لندن, وأجرت الإذاعة حواراً مع محللة روسية حول الموقف الرسمي الروسي من التحذيرات الأميركية.‏

ولم تنس إذاعة لندن أن تذكر تحذير ارئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي لروسيا من بيع سورية أي نوع من الصواريخ الروسية.‏

وقالت الصحيفة إن نبأ بيع روسيا الصواريخ إلى سورية غير مؤكد بعد وكان هذا رأي المحللة الروسية التي استضافتها الإذاعة أيضاً.‏

غير أن الإذاعة البريطانية أشارت إلى أن أنباء صفقة الصواريخ رددتها صحيفة روسية يملكها ممول روسي يهودي على خلاف مع الرئيس الروسي بوتين والحكومة الروسية.‏

والإذاعة لم تشر إلى امتلاك إسرائيل لصواريخ أميركية الصنع يصل مداها إلى أبعد من أقصى نقطة حدود سورية بمئات الكيلو مترات وتهدد أمن دول, إضافة إلى سورية مثل إيران وتركيا والجمهوريات السوفييتية السابقة وكذلك مصر والسودان وليبيا وغيرها من الدول المجاورة.‏

ولا تكتفي إسرائيل بامتلاك صواريخ أميركية نوعية, بل إنها تعاني تخمة في امتلاك هذه الصواريخ ولا تجد مكاناً لنصبها لأن ذلك سيغطي جميع الأراضي التي تحتلها إسرائيل, ما يجعلها معسكراً كبيراً غير قابل لعيش المدنيين في أي انتماء كانوا, خاصة وأن إسرائيل تعد حتى الآن أكبر مستودع للسلاح في العالم, وهي لا تستطيع إنهاءه في حرب تستمر عدة سنوات بشكل متواصل كحد أدنى, ولديها من الرؤوس النووية ما يتجاوز المئتي رأس وما يفيض عن حاجة كل دول المنطقة وما يكفي لتدمير أضعاف مساحة المنطقة.‏

في مفهوم الولايات المتحدة الأميركية, إن السلاح في البحار الدافئة وخاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط ينبغي أن تملكه إسرائيل وحدها, وهي لهذه الغاية شنت حرباً مدمرة ضد العراق واحتلته بذريعة امتلاكه لأسلحة دمار شامل وهي تعرف أن ادعاءها هذا هو مجرد فرضية لا أصل لها.. ولكنها أرادت توصيل رسالة إلى جميع دول المنطقة من أنها ستكون معرضة للتدمير والاحتلال ليس لامتلاك السلاح وإنما أيضاً للشك في امتلاكها إياه.‏

وفي مفهوم إسرائيل إن أي سلاح يصل إلى أي مكان للمنطقة, هو موجه ضدها, حتى وإن كان هذا السلاح مجرد بنادق خفيفة ومسدسات لسد احتياجات الشرطة لمنع الإجرام الداخلي وحفظ الأمن, وخير دليل على ذلك منع الشرطة الفلسطينية من حمل السلاح إلا بموافقتها.‏

وفي مفهوم إسرائيل أيضاً إن على الولايات المتحدة أن تمنع الأمن عن أكثر من ثلاثمائة مليون عربي وتأمينه لأقل من خمسة ملايين إسرائيلي, أي أن الأمن هو لإسرائيل فقط وعلى الولايات المتحدة أن تكفل الأمن الإسرائيلي وأن تستمر في شحن السلاح إلى إسرائىل لتستمر في قتل الفلسطينيين, ومن أحدث تقنيات هذا السلاح, لمجرد أن الفلسطينيين يحملون الحجارة في وجه إسرائىل, الحجارة في مواجهة أسلحة الموت والتدمير الشامل, وكذلك لإبقاء عصا التهديد فوق رؤوس دول المنطقة مجتمعة.‏

من هذا المنطلق, أي من المفهوم الإسرائىلي-الأميركي الخاص للأمن, ينبغي أن تبقى سورية من غير سلاح يحميها من العدوان الإسرائيلي المحتمل في أي لحظة, وعلى سورية أيضاً أن تقوم بحماية الحدود المشتركة بينها وبين الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل عند حدود سورية الجنوبية وعند حدود لبنان الجنوبية, و منع الذباب من الطيران فوق الحدود المشتركة مع الاحتلال الإسرائيلي, لأن هذا الذباب يمكن أن يعكر مزاج الجنود والمستوطنين الإسرائيليين, وهذا يجعل الأمن في المنطقة مهدداً, وهو موقف معاد للسامية يطاله الانتقام الإسرائيلي ويخضع لقوانين مراقبة العداء للسامية الأميركية حتى وإن كان العرب هم ساميون, لكن إسرائىل لا تعترف بساميتهم وبالتالي فهم مصنفون بالعداء للسامية, أي أنهم معادون لأنفسهم.‏

الناطق الرسمي الأميركي, أعلن تحذير واشنطن لروسيا والرئيس الروسي من بيع صواريخ متقدمة تستطيع أن تضرب أهدافاً في إسرائيل, وبدون شك نتفهم موقف أميركا المنحاز إلى إسرائىل والمعادي لغيرها, ونحن لا نناقشها في موقفها وفي تحديد اتجاهاتها السياسية, وقد خبرنا مواقفها المؤيدة والداعمة لإسرائيل, واطلعنا على تصريحاتها المتتابعة من أنها معنية بأمن إسرائيل ومسؤولة عن أمن إسرائىل, من حقها أن تتحالف مع من تريد مع إسرائىل أو مع غيرها.‏

لكن الذي هو مناقض تماماً أن تقول إنها وسيط نزيه عادل بين الفلسطينيين خاصة والعرب عامة وبين إسرائىل, فواقع الأمر مخالف لذلك, وفي حال استمرت بانحيازها عليها أن تسلم ذمة الوساطة إلى قوة دولية أخرى إلى أوروبا أو إلى الأمم المتحدة بعد أن ترفع وصايتها عنها, وهذا في مصلحة الولايات المتحدة نفسها, لأنه على الأقل سيضيق من التباعد الحاصل بين تصريحاتها وأفعالها.‏

وإذا كانت الولايات المتحدة تجد أن من حقها الدفاع عن إسرائيل وضمان أمنها, فإن من حق الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً وفي مقدمتهم أولئك الذين تحتل إسرائىل أجزاء من أراضيهم وأولئك الذين ليسوا بمنجى من الخطر الإسرائيلي على الرغم من معاهدات السلام التي تربطهم مع إسرائىل, من حقهم أن يمتلكوا وسائل الدفاع الكفيلة بحماية أمنهم, ذلك لأن كياناً يقوم على العدوان والاحتلال والتوسع, ويبني وجوده وخططه على إخضاع الآخرين وتسخيرهم لخدمته, لا يؤمن جانبه, ولا يستطيع أحد أن يشعر معه بالاطمئنان, والدليل على ذلك عدم احترام إسرائىل لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبالأراضي المحتلة وبدعوات السلام, وعدم قيامها حتى الآن بإعطاء مؤشر واحد على استعدادها لتنفيذ أي من قرارات الأمم المتحدة أو توصياتها أو أي من الاتفاقات التي وقعتها مع الفلسطينيين بدءاً من اتفاقات أوسلو وانتهاء بخارطة الطريق, على تدعيم قدراتهم لمواجهة شراسة العدوان الإسرائيلي وصلافة الغطرسة الإسرائيلية.‏

كما أن من حق العرب أن يحذروا الولايات المتحدة الأميركية من مغبة التمادي في تحيزها لإسرائيل وفي استمرار تزويدها بآخر تقنيات أسلحة الموت والدمار, أسلحة الدمار الشامل, وفي استمرار استخدام الفيتو في مجلس الأمن عندما يتعلق الأمر بإدانة إسرائىل.‏

نعم إن من حق العرب أن يحذروا الولايات المتحدة من مساعدة إسرائىل على التمرد على الشرعية الدولية لأن ذلك يعرض الأمن والسلام الإقليمي والدولي للخطر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية