تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لوموند: رسالة الطوفان..?!

لوموند
دراسات
الاربعاء 19/1/ 2005م
ترجمة: سراب الأسمر

أيضا تسونامي: ألم تشغل هذه المأساة ما يكفي من أعمدة الصحف منذ 26 كانون الأول 2004?

وأنتم أيضا شاركتم في ذلك: فأي مأساة كبرى سواء كان سببها تقلبات الطبيعة أو جنون الإنسان لابد وأن تأخذ منا اهتماما لأسابيع وأسابيع, الكثير من التعليقات والتحليلات, والانتقادات والأسئلة, الشهادات والإيحاءات من مختلف الأشكال.‏

هذه المرة وأمام صورة هذه الكارثة نفسها أعطى الانترنت لهذا الحدث بعدا عالميا إذ تحت وطأة الصور التي بثها التلفزيون من مناطق الزلزال أخذ البعض يكتبون من منازلهم لننظر على سبيل المثال إلى مراسلة إيريك لافور المقيمة في فوكيه ( تايلاند): ( لماذا توجب علينا الانتظار 24 ساعة حتى شعر بنا العالم? هنا فمنذ الدقائق الأولى كنا نشعر بهول الكارثة.‏

فالرسالة التي حملها إلينا البحر كانت تتضمن أكثر من رعب محلي فمحتواها فاق حد الخيال.‏

من الصحيح أنه لم يكن يوجد بعد صور وبدون صور لا توجد معلومات).‏

هذا القارىء الذي لم يخف المرارة التي يشعر بها يضيف بالقول: ( لقد عانينا من الشعور بالإهمال وعدم فهمنا) بعد ذلك وصلت رسائل أخرى في الليل.‏

البعض كان يظهر حزنه والإحساس الكبير بالعزلة والكره نحو إنسانية لم تشأ أن تدرك ما كان يجري في أعماق المحيط الهندي.‏

طلبنا من ناج: سعيد وصف هذه الأسطورة الرهيبة موجة الأمواج تسونامي كان الجواب على هذه الموجة قصيرا: ( الطلب من آلاف الصيادين الموت(...) بعيدا عن الأعين وبعيدا عن القلوب).‏

مع أن العالم لم يدرك حجم الكارثة إلا بعد 24 ساعة من حدوثها لكنه استطاع أن يدرك حجم المأساة التي نجمت عنها وليس كما هو معروف أن هذا النموذج من المأساة كلما كان بعيدا قل الاهتمام به.‏

بالمقابل اغتاظ بعض القراء في البداية لأن الجميع اهتم بالسياح الأجانب فقط بينما الضحايا الأندونيسيون كانوا يحصون بعشرات الآلاف.‏

وخلال الأيام التالية بدت الكارثة عالمية في صداها وبجروحاتها تحدثت الأنباء عن الضيق الذي مرت به الشعوب المحلية أما التضامن الذي ظهر من أغلب الدول الغنية فهو موضع فخر وجدل في أحيان أخرى.‏

وتساءل البعض كم من الأموال قدمت الدول الغنية لمساعدة دول العالم الثالث? وعودا وأقوالا ولا أعمال فعلية?..‏

يلفت انتباهنا ريتشارد فيغييه إلى ( بؤس تسونامي) تلك المأساة تركناها تتفاقم ( تبا لقد تعهدناها مسهلين دوما بناء ( جنة سياحية ) دون أن يفيد ذلك الشعب المحلي الذي يعيش في القلة أين هي المستوصفات والمشافي أين هي الطرقات التي تسهل السبيل أمام المساعدات الدولية التي أبطأت في تقديم خدماتها أمام أضرار المأساة وهذه النتيجة - يضيف فيغييه- ها نحن نفتح جزاديننا و ( ها هي أمطار من الأموال تتساقط فوق هذه الدول ولكن ألا نرى أن هذه الهزة الأرضية ترن مثل صرخة راجية إيانا أن نغير أسلوب حياتنا? لم يعد بالإمكان تعايش الجنة مع الجحيم? (...) إذا كنا نتساهل أمام هذه النتائج اللامتناهية من البؤس فنحن لن ندخل الجنة أبدا)..‏

لا تذكروا كلمة جنة أمام بيير كالميت دي لينيل فهو لم يعد يحتمل أن يقرأ هذه الكلمة أو حتى يسمعها في وسائل الإعلام إذ يقول : ( أي جنة تلك التي فتنت السياح)? فهذه الأصقاع لا يوجد فيها نعيم لهؤلاء الذين يقيمون فيها طوال العام).‏

هذا ليس ميلاً للعطاء المجاني -مهما كان محموداً أو عظيماً- قد يردم الحفرة بين أغنياء وفقراء العالم. وفي بحثنا عن عالم عادل ومتضامن لا نستطيع معه بيع دولة -من أجل الجنة- تفتقر إلى كأس ماء للشرب وحفنة من الرز.‏

ثار دينيس مونود- بروكا (باريس) من أرقام الضحايا التي كان يراها في ارتفاع مستمر. فهو يكتب قائلاً: (لا نستطيع إحصاء هذه الأرقام. كل الحسابات المعلن عنها حول الكارثة خاطئة, لا تستطيع الكلمات وصف حقيقة عدد الضحايا فهل تكشف هذه الأرقام الحقيقة?‏

قارىء باريسي آخر مانويل ديكودافين في حالة يأس من كثرة المآسي التي سببتها الهزة الأرضية يقول: (أي صدمة تسبب بها زلزال تسونامي! مئة ألف, ومن المحتمل 150 ألف قتيل من جراء هذه المأساة الطبيعية. أي منفعة نجنيها من اجترار الكلام حول هذا القدر الغاشم إنه ظلم السماء الذي أصاب هؤلاء الأبرياء? والمئة ألف قتيل في العراق ضحايا الغزو. ماذا عنهم أيضاً.‏

ردات الفعل الأخيرة هذه, وغيرها تتكشف عن سؤال أكثر عمقاً, يطرح على حدث ذي مدى أكبر من التضخم التحريري (الإنشائي). فمن جهة, من الطبيعي أن تخص صحيفة مثل لوموند الكثير من الأعمدة لمأساة بهذه الأهمية وأن تبحث لمعالجتها من جميع أو جهها. ولكن من جهة أخرى, كيف يمكن الحد من هذا الكم الهائل من المعلومات بالتحايل والتعليقات, وعدم تكرارها وعدم ابتذال الكارثة وإتعاب القارئين قبل المضي إلى أمر آخر ونسيانه.‏

لأن الكارثة قد بدأت للتو. فمناطق بأكملها دمرت, وحياة أناس تجددت. بدأ إيريك لافور رسالته بهذه العبارات: (أناس في أماكنهم حملتهم الأمواج, ضربت أجسادهم, أشبعت أدمغتهم بصور مقززة, يجدون صعوبة في التكلم تترابط الأفكار بعضها مع البعض الآخر في تسلسل سقيم, تارة كريهة وتارة أخرى بشفقة. الحياة لا بد أن تستمر, حتى بالنسبة للأموات, لأن الأحياء يبحثون عنهم بيأس, لكن الصفحة طويت نهائياً لكن من المستحيل على هؤلاء الباقين فيها لأنهم يتصورن تتمة لها).‏

لا يزال هناك تتمة: صفحات أخرى (تكتب) وتروى.. وخلال أشهر, عندما تنعطف كاشفات الأضواء لتتلقف أحداثاً أخرى, حينها يجب الاهتمام بسومطرة وتايلاند وسيريلانكا..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية