تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العنصرية

آراء
الأربعاء 21/11/2007
أ. د. يوسف سلامة

ليس ثمة من لا يعلم أن العنصرية هي نزعة أيديولوجية قد غلفها أصحابها بإهاب علمي في كثير من الأحيان على الرغم من أن المرامي الحقيقية لكل تفكير عنصري هي مرام سياسية تستهدف إخضاع الشعوب الأضعف للأمم الأقوى تحت ستار أيديولوجي زائف هو ما يسمى بالنزعة العنصرية.

فالعنصرية اذاً هي طريقة في التفكير تذهب إلى أن بعض الشعوب أو الأمم تمتلك خصائص بيولوجية تؤهلها لأن تكون أرقى وأقوى من غيرها من الأمم وهي تقيم حقها في ذلك على هذا التفوق الموهوم الذي يترجمون عنه في بعض الصفات الجسدية الخارجية الوهمية مثل حجم الجمجمة واستداراتها وطول القامة ولون البشرة وما يرتبون على ذلك من نتائج متعلقة بالخصائص النفسية والعقلية كما هو الحال في تمييزات رينان بين الأمم الآرية والأمم السامية وكما هو الحال في ادعاءات النازية والفاشية في القرن العشرين.‏

ومن ذلك نعلم أن العنصرية هي إحدى الأيديولوجيات التي استخدمتها الأمم الغربية في العصر الحديث في محاولتها لإخضاع الأمم الأضعف في إفريقيا وآسيا على حد سواء وعلى كل حال يبدو أن كل أمة تصبح أمة عالمية وقوية تستدعى العنصرية إلى ترسانتها الروحية ما يسمح لها بأن تنتج صورة زائفة عن نفسها وعن الآخر الذي تقرر أن من حقها استعباده واستعماره لأن خصائصه العنصرية لا تؤهله لأن يكون على قدم المساواة مع الأمم المتفوقة عنصريا في ضوء ما تقدم لا يكفي أن نتعرض بالنقد لزيف العنصرية عند غيرنا من الأمم فقط بل من واجبنا أيضا أن ننقده هذا الزيف نفسه إن كان موجوداً لدينا أيضاً وبهذا الصدد ليس من الضروري أن يكون للصورة النمطية للأيديولوجية العنصرية كما تجلت لدى الأمم الأوروبية في القرنين التاسع عشر والعشرين بل من الممكن أن ينصب نقدنا على صورة زائفة مستخفية لهذه الأيديولوجية من غير أن تكون رموزها مرتبطة بصورة مباشرة بالعناصر التقليدية المكونة لهذه الأيديولوجية في صورتها النمطية والنقية اذ من الممكن أن تكون النزعة العنصرية قائمة بصورة غير مباشرة من وراء كثير من القرارات التي تتخذها السلطات العربية من غير أن تكون هذه السلطات على وعي بالدلالة العنصرية لهذه القرارات السياسية علينا أن نضيف اذا إلى نقد الآخرين نقدا لذواتنا من شأنه أن يكشف عن أمور وخفايا ربما لا نحب أن نراها ولا أن نعترف بصحتها إن النقد الأهم هو النقد الذي توجهه الذات لذاتها وفي ضوء هذا النقد الذاتي ربما أمكن لنا أن نكتشف صورة من صور العنصرية متخفية وراء الكثير من القرارات العربية المتعلقة بحرية التنقل للإنسان العربي وربما كان من شأن طرح بعض الأسئلة أن يزيد هذه المسألة وضوحا.‏

لماذا لا يستطيع العربي أن يتجول بحرية عبر العالم العربي لماذا تغلق أكثرية السلطات العربية حدودها في وجه جميع العرب باستثناء بلد واحد نمسك عن ذكر اسمه لكونه معروفا وحتى لا توجه الينا الاتهامات.‏

الجواب على ذلك هو أن قرارات سياسية محلية أو دولية تجعل هذه السلطات تحول حدودها إلى سدود منيعة في وجه كل العرب ولو أننا حاولنا اختراق هذه القرارات السياسية والمضي إلى القاعدة الروحية التي تبرر للحاكم العربي ما يقيمه من سدود في وجه الجميع تقريبا لما كان لنا إلا أن نقرر أن نوعا من النزعة العنصرية قائمة من وراء هذا التفكير السياسي وصحيح أن عالم السياسة هو عالم المصالح ومع ذلك لابد للمصالح ذاتها من تبريرات روحية قد تكون صحيحة أو موهومة وفي حالتنا التي نحن بصددها لا نستطيع أن نغفل عن أن قسمة العالم العربي إلى مجموعات من الكتل البشرية هو نفسه نوع من العنصرية البغيضة التي تحول الحدود إلى سدود.‏

وما يشهد على هذا النوع من النزعة العنصرية الضمنية التي تستند إليها القرارات السياسية هو أن مواطني بعض الكتل أو الدوائر يستطيعون التنقل بحرية ودون عوائق سواء تعلق الأمر بقوة العمل أو رأس المال أو شتى ضروب الاستثمار في حين أنه يحرم على كل من لا ينتسب إلى هذه الدائرة الضيقة أن يجتاز الحدود مهما كانت مؤهلاته رفيعة ونواياه طيبة.‏

واذا فهل بوسعنا أن نقول إن هناك نوعا من العنصرية النفطية أو نوعا من العنصرية القبلية أو نوعا من العنصرية الجهوية التي تلعب دور القاعدة السفلية أو الخفية أو الروحية للقرارات السياسية التي تحول دون حرية العربي في هذا الوطن الكبير الذي يتفق الجميع حتى الآن على تسميته بأنه وطن عربي?‏

هذه الصور المختلفة من العنصرية التي تستند اليها قرارات سياسية كثيرة جديرة بأن نكشفها ونفضحها وربما لم تكن هذه الممارسات في أصلها عنصرية ولكن الاصرار عليها والاستمرار فيها يخلع عليها صفات جديدة ربما كانت المسحة العنصرية أن النزعة العنصرية من بينها.‏

إن أفعال الغزو الخاطئة لا تبرر التقوقع المبالغ فيه والذي هو بدوره فعل خاطئ كالغزو تماما كما أن الحكم على شعوب بأكملها بالحرمان من المرور حتى في سماء بعض البلدان العربية أمر يستحق أن ننتبه إليه وأن نحتج عليه وأن نؤكد أنه فعل يتجاوز العنصرية في دلالاته ومعانيه فاليوم تتحول التأشيرة المسبقة إلى إنجيل مقدس على كل عربي أن يحج إلى هذه السفارة العربية أو تلك حتى يحصل على صفحة منه وما لم يتم تمزيق هذه الصفحات فإن العنصرية مرشحة لأن يتعمق دورها الأمر الذي يهدد هذه الهوية المشتركة بالتفتت والضياع والتحول من السدود التي تفصل الشعوب إلى حدود تفصل بين أمم مختلفة وهو الأمر الأشد خطورة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية