|
ثقافة لديه الكثير من المؤلفات وهو يكتب الشعر و المسرحية , و بعد هذه السنوات الطويلة هو يمارس المقاومة بالشعر و الكتابة على حد تعبيره . حول تجربته الابداعية و النضالية كان لنا معه هذا الحوار : * ما المؤثرات التي ادت الى ميلك للاذاعة ? ** الحقيقة ان عملي بالاذاعة كان بالصدفة , ربما كنت احب الاستماع للاذاعة و اذكر ان من اهم البرامج التي استمعت اليها في شبابي الاول قبل ان ابلغ العشرين هي اذاعة دمشق و كان فيها الكثير من المذيعين الكبار امثال يحيى الشهابي و توفيق حسن هؤلاء كانوا يقدمون اذاعة هامة جدا و متوجهة للتعبئة في مواجهة العدو الصهيوني الذي احتل فلسطين و كنت اتصور ان امكانيات هذه الاذاعة في ذلك الحين كبيرة لكنني اكتشفت فيما بعد اي بعد عودتي الى دمشق ان الاذاعة كانت متواضعة جدا و انهم كانوا يستخدمون مؤثرات صوتية بالنقر بالاصبع او بالصفير مثلاً و لكن رغم ذلك كانت مؤثرة لان المضمون و الاداء كان جيدا و بالتالي استطاعت تلك الاذاعة في ذاك الوقت أي في الخمسينات ان تستقطب فعلا المستمعين على نطاق واسع . * عملت مذيعا و معدا في اذاعة الكويت و دمشق حدثنا عن تجربتك الاذاعية? ** انا اعتقد ان العمل الاذاعي و الاعلامي بشكل عام يجب ان يظل في اطار الهواية لانه اذا دخل مجال الاحتراف فقد اصبح مقيدا بشروط عديدة تقتل حالة الابداع لدى الاعلامي , و انا في تجربتي قد عشت هذه التجربة الابداعية في العمل الاعلامي و استطيع القول انني حققت بعض ما طمحت الى تحقيقه و خصوصا اني افهم الاعلام و الثقافة كعملية تنموية و لا افهمها كعملية مغلقة على صاحبها , في برنامجي عالم الادب الذي اقدمه و اعده حاليا في اذاعة دمشق , كان لدي بريد و هذا البريد قد حقق لي تواصلاً مع الكثيرين من المبدعين الشباب و استطيع ان اسميهم المبدعين الجدد حيث تخرج من البرنامج لائحة شرف تضم اكثرمن 25 مابين شاعر و روائي و ربما ناقد احيانا , هذا جعل عندي احساساً بالرضا لان هذا البرنامج لم يكن مجرد تفريغ في الهواء , و بنفس الوقت استطيع القول انني كتبت و عرضت للاسماء الجديدة اكثرمما تعاملت مع الاسماء القديمة و ذلك لان الاسماء القديمة هي متداولة و قد شبعت درسا و بحثا لكن الكتاب و الشعراء و الاجيال الجديدة لا تجد من يتناولها , و انا مقتنع تماما ان الابداع بخير لان الحالات التي تعاملت معها هي واعدة و متقدمة و تحاول ان تتجاوز جيل ما يمكن ان نسميه جيل الستينات و انا انتمي لهذا الجيل و هذا شيء مفرح لان هذه الامة التي تعطي شعراء و ادباء كل يوم فهي بهذه العملية تثبت و تبرهن على انها حية و قادرة على الاستمرار في الحياة لكي تأخذ وضعها في حركة التاريخ. * و ماذا عن تجربتك الشعرية التي بدأت قبل التجربة الاذاعية ? ** الحقيقة ان هناك تجربة بدأت قبل الشعر ايضا وهي الفن التشكيلي فأنا فنان تشكيلي بالممارسة لكن ليست هي الممارسة اليومية التي من الممكن ان يقوم بها فنان تشكيلي محترف , بل ممارسة تتيح لي دائما ان ابقى على تواصل مع الحركة التشكيلية العربية و قد انتسبت الى مركز ادهم اسماعيل عندما كنت في اذاعة دمشق في الستينات و لمدة ستة اشهر , ثم عندما التحقت بالثورة تركت و عدت لانتسب لهذا المركز عام 1985 و قد كنت في الخمسين من عمري اي اصغر الطلاب بمعنى اعمرهم و تخرجت من هذا المركز على ايدي اساتذة مهمين ( علي الصابوني , حيدر يازجي). * و لماذا لم تستمر في الفن التشكيلي ? ** لان الفن التشكيلي يحتاج الى استقرار و بما انني غير مستقر لم استطع ان اواصل ما فكرت به دائما في ان اكون فنانا تشكيليا , و قد استطعت ان انجز عددا من الجداريات لكن في فترة كنت اعيش حالة من الاستقرار اي بعد سنتين من التخرج , اللوحتان موجوداتان في منزلي و قد عرض بعض منها و البعض الاخر لم يعرض لانه لا يوجد هناك جدار يتسع لهذه اللوحة , انما في نيتي ان اقيم امسية شعرية في داخل النص الفني التشكيلي . اما بالنسبة للتجربةفأنا بدأ ت الكتابة الشعرية عام 1957 ثم اتجهت الى القصة القصيرة فنشرت مجموعة من القصص لكن الشعر اخذني لانه يحتاج الى نوع من التكثيف و لي ايضا تجربة في كتابة الرواية حيث كتبت رواية عنوانها ( التيه ) و هي تحاول ان تصور تجربة جيلنا في الكويت و اذا غسان كنفاني قد سجل تجربة الجيل الذي ذهب الى الكويت اثناء الذهاب فأنا قدحاولت ان اسجل هذه التجربة اثناء اللقاء , لكن كان لدي مشكلة عندما تعاقدت مع دار الطليعة من اجل طباعتها فقد فاز هاني الراهب في روايته المهزومون بالجائزة الاولى و قد هاجم النقاد هاني الراهب باعتبار ان روايته قد كتبت تحت تأثير الفكر الوجودي في حين ان روايتي كنت قد كتبتها تحت تأثير الرواية الوجودية , فمن الواضح انني لم اكن على مستوى من الوعي النقدي بحيث ارى التأثير المتبادل و العلاقات بين الادب , فسحبت الرواية خوفا من النقد لكن الرواية موجودة لدي و قد حاول احد الاصدقاء نشرها منذ سنوات لكنني اعتصمت بأن لا تنشر حتى انجز الرواية التي اعمل عليها الان . * الحركة الشعرية في سورية كيف تراها ? ** هي مبشرة و جيدة في تقديري انها كالحركة الشعرية العربية تعاني من مسألتين , المسألة الاولى ان بعض الشعراء يتصورون انهم يجب ان يذهبوا للكتابة و ان يركضوا خلف القصيدة , لكن انا اتصور انه لا يمكن الركض خلف القصيدة لان القصيدة تأتي كالحب و الموت اذا جاءت اكتبهاو اذا لم تأت فلا تبحث عنها و بالتالي هم يقعون في نفس الازمة التي وقعوا فيها شعراء العمود هذه الأزمة التي تعني افتقار النص لروح الشعر بمعنى ان شاعرا ما يستطيع ان ينظم قصيدة عن البحور و اللغة سليمة ..الخ, الا انه يفتقر لروح الشعر كذلك شعراء الحداثة انهم ماهرون في صياغة النص لكن النص يفتقر الى روح الشعر و هذا طبعا كلام غير قابل للتعميم فأنا اتحدث عن بعض النصوص و ليس بعض الشعراء . * الشعر الفلسطيني المقاوم اين اصبح? ** الشعر المقاوم لا ينتهي لان فلسطين مازالت تحت الاحتلال و الوطن العربي كله اليوم تحت الاحتلال و من الصعب ان نقول ان دولة عربية مستقلة لان الاستقلال مشروط بالسيادة الكاملة على كامل الارض و بالتالي شعر المقاومة ليس شعرا فلسطينيا فقط و ليس الشعر الذي يكتبه الفلسطينيون و انما الشعر الذي يكتبه شعراء العرب ايضا و المتمحور حول فلسطين او صيغة المقاومة و الهم في ضرورة تجذير ثقافة المقاومة لدى المتلقي. * الشاعر محمود درويش و تحولاته.. أثارت وتثير الكثير ماهي نظرتكم إليها ? ** هو شاعر كبير و تحولاته ايضا مهمة , و لكني اعتقد انه أراد ان يغادر و هذا من حقه و لكن الناس لا يريدون هذه المغادرة , وهو قد اعلن اكثر من مرة و على صفحة مجلة الشعراء في لقاء مع شعراء فلسطينيين , قالوا له كيف خرجت من سطوة الموضوع و الموضوع هو فلسطين قال ( تخيلوا ان فلسطين ليست تحت الاحتلال و اكتبوا) اذا هو يكتب خارج تصور ان فلسطين تحت الاحتلال و حتى اذا تصور ذلك فهو يقول كلاما ملتبسا احيانا يفهم كما يقال حمال اوجه و انا لست مع هذه الصيغة من النصوص التي يمكن ان تسقط عليها انت رغبتك , و في السنوات الاخيرة اي منذ توقيع اتفاق اوسلو و حتى الان يقول شعرا ملتبسا اي يمكن ان يحمل اكثرمن تفسير و هذا ليس شعر مقاومة لان شعر المقاومة من شروطه ان يكون شعرا تعبويا و ان يستهدف المتلقي في ان يجعله متجذرا باتجاه ثقافة المقاومة . * المرأة حاضرة في في حياة الشعراء عموماً .. ترى كيف كان هذا الحضور مع الشاعر خالد أبو خالد ? ** على الرغم اني لا اوافق على السؤال بمعنى يجب الرقابة عليه لكنني اعتقد ان كلمة فتوحات نسائية تصلح لكثير من الشعراء لكنها لا تصلح لي فأنا لست صاحب فتوحات نسائية و اعتز بذلك , لكن المرأة هي انسانة عظيمة و بدونها لا يكتمل الانسان فأمك و اختك و زوجتك امرأة و الهة الخصب لدى البابليين القدامى امرأة و انا استطيع ان اخاطب القضية و الثورة كامرأة لانها تحمل كل هذا في داخلها , و هنا اعتقد ان تمجيد المرأة لدى الشاعر يجب ان يكون في صلب مهامه اذا كان شاعرا تقدميا اما اذا كان شاعرا متقلبا فسوف يتحدث كالاخرين( المرأة سيئة و عديمة الوفاء ...) * مارست الكفاح المسلح ما الذي دفعك الى ذلك ? ** انا اعتقد ان اي مواطن ارضه محتلة يجب ان يمارس الكفاح المسلح اذا استطاع اليه سبيلا و اعتقد ان اي مثقف مارس الكفاح لا يعد هذا امتيازا له و لا يميزه لان هذا من صميم واجبه و قد يمارس كفاحا اخر بالقلم او بالعمل السياسي و ايضا لا يعد امتيازا المهم ان يمارس فعل المقاومة بأي صيغة استطاع ان يمارس فيها هذا الفعل . بالنسبة لي كان عملي في الكفاح قد اعطاني روحا اكبر بمعنى انني استطعت ايضا ان امثل روح الامة العربية و كل الضمائر الحية بأدائي و استطعت ايضا ان اقول في وطني مقاومة ليس لانني مارستها و لكن اصدقائي الذين مارسوها معي كانوا جميعا منذورين للشهادة و انا من دورتي كان هناك 700 مناضل لم يبق منهم سوى اثنين او ثلاثة و الباقي استشهدوا هذا يعني انني احمل في ضميري اصدقائي الذين استشهدوا من اجل تحرير كامل التراب الفلسطيني و مازلت متمسكاً بهذا الثابت و مؤكدا عليه في مقولة معروفة عني : اما فلسطين و اما فلسطين و ليس هناك شيء اخر. انا الان في الواحد و السبعين من عمري و لو استطعت فعلا ان اعود و اقاتل دفاعا عن فلسطين فسوف افعل ذلك مرة اخرى . * تجربتك في مجلة الكاتب الفلسطيني ماذا اضافت لك ? ** الحقيقة صدرت هذه المجلة في بيروت و واصلنا اصدارها في دمشق و كانت توزع في دمشق الف نسخة فقط و قد اضافت لي هذه التجربة الكثير فهي وسعت رؤيتي و امكانياتي بالاتصال بالمثقفين و المبدعين للكتابة في هذه المجلة و استطاعت ايضا ان تعلمني معنى ان تكون القيادة جماعية . * ماهي مشاريعك الاخيرة? ** الان بصدد اصدار مجموعتي الكاملة وهي من ثلاثة اجزاء و هي ستصدر قريبا حاملة ً كل اعمالي الشعرية , فأنا لدي قصائد و اعمال شعرية لكن في السنوات الاخيرة كل ما كتبته هو اعمال شعرية ( مسرح , دراما , سينما ..) و اعتقد ان رواد هذه الاعمال الشعرية هم في وجداني ( بدر شاكر السياب , خليل حاوي و غيرهم ) هؤلاء استطاعوا ان يضعوا حجر الاساس في التجربة الشعرية العربية الحديثة و نحن بالتالي واصلنا دورهم , ثم سيأتي بعدنا اجيال عديدة ستواصل هذا الدور و ستكتب افضل مما كتبنا . كلمة اخيرة: اشكر جريد ةالثورة فعلاقتي بها قديمة جدا و كنت قد كتبت فيها عدة زوايا و من هذه الزوايا استطيع القول انني تعلمت الكتابة في الصحافة. |
|