|
إضاءات وتوازنها. وكم من الفنانين العالميين افتتنوا بها، وكرّسوا لها في لوحاتهم مثل سيزان، وفان كوخ، وماتيس، وغيرهم كثر. لكن تلك الطبيعة الحالمة بنقائها أصبحت من الماضي الذي لن يعود بعد أن اجتاحها صخب الإنسان في ثوراته الصناعية، والعلمية.. لتغدو الأرض غير الأرض. فعندما يتعاظم التلوث الناجم عن أنشطة الإنسان ليأتي بالاحتباس الحراري، وبانقراض كثير من الأحياء الحيوانية، والنباتية، والحشرية وهي تستغيث عند موت آخر كائن منها عندئذ ندرك أننا قد لا نستطيع أن نعيد للبيئة توازنها الذي وجدت عليه، إذ ما من كائن إلا وله وظيفته في الحفاظ عليها. وعندما يتسبب ارتفاع حرارة الأرض باحتراق رئتها بحدة غير مسبوقة كما يحصل الآن في غابات الأمازون وهي موطن أصيل للتنوع الحيوي، وتشكل ما يقارب من ربع غابات كوكبنا، وهي التي تطلق أكبر كمية من الهواء النقي، وتعمل على إبطاء وتيرة الاحتباس الحراري.. وعندما يجتاح تأثير احتراقها العالم كله نكون قد أوشكنا على الاختناق بدخان حرائقها، أو أوشكنا أن نحرق سفن العودة بنا إلى بيئة سليمة لا يشوبها انبعاث الغازات السامة، ولا تتطاير مع هوائها ذرات البلاستيك التي تدخل إلى رئاتنا حتى أنها وصلت إلى منطقة القطب بعد أن أصبح التلوث البلاستيكي من أكبر المشكلات، ولا تتغير فيها كيمياء مياه البحار والمحيطات لتموت أجيال وأنواع من الأسماك.. ولا ترتفع معها حرارة الأرض عاماً بعد عام. إن احتراق غابات الأمازون هذه المرة لا يشبه ما عهدته تلك الغابات من حرائق سنوية تشتعل تلقائياً مع درجات الحرارة المرتفعة.. بل إنها واحدة من أكبر الكوارث البيئية التي غطى دخانها السماء حتى أظلمت.. دخان مظلم هو أسوأ من ذلك الذي تطلقه المصانع التي تتوالد دون هوادة. ويتنادى الناشطون، والسياسيون، والمشاهير لاتخاذ الإجراءات التي تحد من تلك الكارثة، ولعلهم يدركون أهمية تلك الغابات وتأثيرها على الصعيد العالمي ليعيدوا إحياء اتفاقيات لم يُلتزم بها في حينها كما يجب من قِبل المجتمع الدولي مثل مكافحة التصحر، والتصدي للتغيرات المناخية، والحفاظ على التنوع البيولوجي ونحن على أعتاب ما يسمونه بمرحلة (الانقراض السادس)، لتزيد تلك الحرائق الهائلة بالتالي من الفجوة بين المأمول والمنظور. فأين هي الآن قمم المناخ التي عُقدت، وتعقد من التزاماتها حيال اتفاقياتها في التصدي لما يحصل من كوارث للبيئة لا بد أنها تستوجب رصد الأموال بأكثر مما هي عليه، وبأولوية لا ينبغي أن تُرصد لغيرها.. وأين هي مسارات التكنولوجيا التي أصبحت فائقة من مواجهة ما يفسد الحياة على الأرض؟.. بل إن خطوات العلاج ما زالت خجولة، وبطيئة مقابل أخرى هي أسرع، وأكثر جرأة تخطوها التغيرات المناخية.. أما الآثار البيئية فهي ليست حصراً على جزء دون آخر من الكرة الأرضية بل إن تأثيرها عام وشامل. إن مبادرات إيجابية تنبثق هنا وهناك، سواء تلك التي يقوم بها ناشطون، أو غيرهم من الأفراد العاديين كتلك الشابة السويدية التي بدأت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي للإضراب المدرسي، ولعدم السفر بواسطة الطائرة في صيغة جديدة للاحتجاج، والمطالبة بالتحرك للحد من التغير المناخي.. أو أخرى تقوم بها شركات عالمية كشركة المواصلات التي تقدم خدماتها عبر تطبيقاتها على الهواتف الذكية لتقدم خدمتها هذه المرة في أعماق البحار على متن غواصة يستعيض بها الناس عن الغوص حماية للحيّد المرجاني العظيم في استراليا. أو أن تقوم إحدى شركات التكنولوجيا الحيوية بابتكار أشجار صناعية تحاكي عمل الطبيعة لمواجهة تلوث الهواء، أو حتى أن يقوم متحف التاريخ الطبيعي في بريطانيا بإعلان الحداد على كارثة التنوع البيئي بإسدال غلالات سوداء على محتوياته من الحيوانات المحنطة التي انقرضت، أو تشارف على ذلك. كل هذا لا يكفي لدرء المخاطر ما لم تتخذ الخطوات الصحيحة والسريعة على مستوى العالم أجمع.. وحتى لا تصبح سلامة الأرض ببيئاتها المتنوعة ليست أكثر من حلم جميل كنا نملكه، وما عدنا.. وحتى لا يغدو هذا الحلم قائماً فقط في لوحات فائقة الروعة نعلقها على جدران متاحفنا، ونحن ننظر بحسرة الى ما كنا عليه، وما أصبح حالنا عليه؟ |
|