تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«في التَّرجمــــة»

ثقافة
الجمعة 30-8-2019
ليندا إبراهيم

في الترجمة تعزيز للفكر والأفكار والثقافة، وتعضيد لقوة الضَّمير لدى الإنسان حول القضايا التي تشغل وتهم وتشمل المشترك الإنساني العام كقضايا الضَّمير والفكر والإبداع..

في الترجمة اطلاع على حياة الشعوب وثقافاتها ومكوناتها وعاداتها وحياتها وسلوكياتها، وبالتالي جمالياتها.. في الترجمة جمالية اكتشاف حياة الآخر، المترجَمِ له، والمترجَمِ عنه، سواء أكان شخصاً أم شعباً أم حضارة..‏

في الترجمة اقتناص الحِكَم، وتصيُّدُ لؤلؤ المعارف في حياة الشعوب وتجاربهم.. والترجمة وسيلة لإيجاد حلول عملية للشعوب التي لديها تاريخ وتقاليد وقيم ومعتقدات وثقافات مختلفة حتى تتواصل فيما بينها وتتفاهم وتثري بعضها البعض، من أجل تواصل أفضل, إنها انفتاح على الآخر، وبعبارة أخرى تعمل على أن تكون هناك ثورة فكرية وروحية حقيقية. فقد كان من أهم أسباب تقدم العرب، وتطورهم في عهد الدولة العربية الإسلامية، قيامُهم بالتَّعرُّف إلى ثقافات الشُّعوب التي سبقتهم، وذلك بواسطة الترجمة.‏

أما الحضارة الإسلامية في الأندلس فقد كانت أهمَّ موروث أخذه الأوروبِّيُّون عندما أقبَلُوا عليها بالترجمة والنقل، وصارت فيما بعدُ دافعاً لهم ليعكفوا على دراسة لغات الشرق وتاريخه وآدابه وثقافاته في الحركة الواسعة التي عرفت بالاستشراق. ولم يتوقَّفْ دور الترجمة على مجرد النَّقل من لسان إلى آخر، بل تبعتها حركة النهضة التي نعيش جميعاً في ظلها اليوم من أدنى الأرض إلى أقصاها.. والترجمة ميدان هام جداً من ميادين المعرفة والثقافة والفن, ولها انعكاسات فكرية وسلوكية غزيرة على مزاوِلها قبل متلقيها أومستهلكها، فتعلُّم لغة أخرى سيكون بمنزلة نافذة تطل على عالم آخر جديد ومغاير، فهي توسع من إدراك وثقافة المتعلم لها، وتقوم بإخصاب فعال لما يمتلكه, في الوقت الذي قد تريحه من تبعة سلطة ِ أحادية ِ أفكارٍ متوارثة كثيرة, وذلك عبر هذا التلاقح وتضارب أوتشابك الأفكار والعادات والقيم التي تأتي مع اللغة الجديدة.‏

وفي الواقع للترجمة لذة تجي ء مع الإحساس والشعور البدهي الذي يضفي قوة على مرتكزات الثقة بالنفس من حيث القدرة وسعة الإدراك, ثم إمكانية الفرد الواحد من التعامل الثنائي بصيغة مشروعة ومحبوبة ومحسودة, سيجعله أكثر استمتاعاً في إراحة ذاته, أي التبديل الذهني عبر ممارسة ذاتين في آن واحد.‏

إن الترجمة فن الروح، وفن تلقيها للنص الأساس وروحه، وقدرتها على التفاعل معه، ومن ثم نقلها بكامل روحها، وبكل أمانة، إلى اللغة المترجم إليها أيضاً بأسلوب يعكسها ويصوغها بكامل الروح أيضاً.. إنَّها حقاً رسالة نبيلة.. تلكَ الرِّسالةُ التي تحملها عملية التَّرجمة، والتي ترغب وزارة الثقافة - الهيئة السورية للكتاب, بإطلاقها للمشروع الوطني للترجمة في تبليغها, فلعلنا اليومَ أحوجُ ما نكون إلى التعريف بأنفسنا وثقافتنا التي يجهل الغرب كنهها وحقيقتها، فجلُّ المعارف التي كونها الغرب عن الشرق استشراقية المصدر، أي نقلها إليه مستشرقون لا يفقهون صميم ثقافتنا وتقاليدنا وعقائدنا، وأما نحن فماذا فعلنا؟ إنه سؤال محرج حقاً.. أترك الجواب عنه لذهن كل منا ولعله متلمَّس في ثنايا الندوة الوطنية القادمة لقد تأخرنا بما فيه الكفاية، وقد آن الأوان لندق ناقوس الخطر وننهض من سباتنا العميق وننفض الغبار عن أنفسنا للدفاع عن ذواتنا والجهر بحقيقة ثقافتنا وفكرنا وحضارتنا من خلال انتقاء أمات الكتب وآخر المواضيع المخطوطة على يد وفكر أمهر المبدعين السوريين والعرب وما أكثرهم، والقيام بترجمتها خير ترجمة إلى مختلف اللغات، وخاصة الأوروبية منها, ومكتبتنا العربية السورية تغص بآلاف الكتب والمراجع المهمة التي لم تجد بعد طريقها إلى الترجمة، فلا جرم أن ذلك هوخير طريق يمكننا من فتح باب الحوار والتواصل مع الغرب ومع كل شعوب العالم تأصيلاً لروح التعاون والإخاء وتأسيساً لثقافة السلام والحضارة بين الشعوب المختلفة بما يعود علينا وعلى البشرية جمعاء بالخير وهذا هوكنه رسالتنا الثقافية والإنسانية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية