تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل الفلسطينيون مقبلون على انتفاضة ثالثة؟

مجلة تايم الأميركية
ترجمة
الثلاثاء 5-3-2013
ترجمة: ليندا سكوتي

بدت مظاهر القلق والتوجس تسود لدى الكثير من الإسرائيليين إثر ما تصدر إحدى الصحف الهامة من عنوان يقول بأن «جيش الدفاع أصبح على أهبة الاستعداد لمواجهة انتفاضة ثالثة».

وقد زاد في الطين بلة ما حدث في عطلة نهاية الأسبوع الأخير من شهر شباط من أمر زاد في سخونة الأجواء وحولها إلى عاصفة امتد أوارها ليشعل مساحة واسعة من الأرض المحتلة «وفاة السجين الفلسطيني عرفات جرادات في السجون الإسرائيلية» وما قاله بعض المسؤولين الفلسطينيين من أن الوفاة قد حدثت جراء التعذيب الذي تعرض له في السجن الأمر الذي حدا بالمئات من الفلسطينيين للخروج إلى الشوارع ورمي الحجارة والقنابل الحارقة.‏

في هذا السياق قال مسؤول جمعية الأسير الفلسطيني قدورة فارس في مقابلة له مع صحيفة معاريف:«تشير الأحداث إلى أننا نتوجه للاقتراب من انتفاضة ثالثة». إن تعبير «انتفاضة» يعني «الثورة» أما المعنى الحرفي لها فإنها تعني القيام «بالاحتجاجات» لكنها في الواقع تعطي معنى أكثر تحديا ففي الانتفاضة الأخيرة التي استمرت منذ عام 2000 حتى عام 2005 لقي 1000 إسرائيلي وربما أكثر من 3000 فلسطيني مصرعهم وأضاف فارس إلى أن السجناء المضربين عن الطعام والاحتجاجات القائمة وأحداث العنف التي يقتل بها مدنيين فلسطينيين وتجميد عملية السلام تجعل الوضع على وشك الانفجار، و«قد تكون قضية جرادات بمثابة الشرارة التي ستشعله» لكنه عاد في يوم الثلاثاء الفائت ليقول بأنه على ثقة تامة بأن انتفاضة ثالثة لن تحدث، وإننا في هذا المجال نتساءل عن مصدر تلك الثقة وأسبابها. نعتقد بأن المسؤولين الإسرائيليين إثر ما شهدوه من تداعيات للأحداث ولاستدراك ما قد يحدث أصبحوا على قناعة بضرورة الإفراج عن سجناء سياسيين تم اعتقالهم دون توجيه تهم إليهم. وقد أضاف فارس إلى ما سبق قوله:«بأن الإسرائيليين أخبروه بما يزمعون القيام به من إفراج عن سجناء فلسطينيين في 21 أيار.‏

لكننا نرى بأن الأقوال عن حدوث انتفاضة من عدمه أمر يشوبه الغموض وتعيشه وسائل الإعلام الإسرائيلية لاسيما وأن حدوث الانتفاضة أو إخمادها لا يتم بمفتاح يتحرك كما يشاء البعض، فالاحتجاجات مثلها مثل أحوال الطقس التي تتناقض نتائجها أحيانا مع التنبؤات وقد تفضي إلى أمور لا يمكن التكهن بها أو السيطرة عليها، وقد أشار فارس في نهاية المقابلة إلى أنه «لا يعني في قوله الجيش الذي ينصاع لما يتلقاه من أوامر وإنما يعني شعبا له الكثير من المشارب والآراء».‏

في ضوء ما ورد من تباين لا بد لنا من تفهم السياسة الفلسطينية المقسمة مثلها في ذلك مثل الأراضي الفلسطينية حيث نجد أن قطاع غزة الذي يعيش به 1,6 مليون فلسطيني تسيطر عليه حماس تلك المنظمة الإسلامية المتشددة التي ترى بأن السبيل الوحيد للتحرر من الاحتلال الإسرائيلي هو المقاومة المسلحة. أما رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس الذي يرأس حركة فتح العلمانية التي تسيطر على الضفة الغربية ويعيش بها 2,5 مليون فلسطيني فيقول عكس ذلك تماما:»إن الكفاح المسلح ليس بمجد فحسب بل له نتائج عكسية حيث يتيح للجيش الإسرائيلي استخدام قوته ضد الفلسطينيين ويعطي صورة للخارج بالعداء لهم باعتبارهم إرهابيين.‏

لقد شهدت الانتفاضة الثانية التي جرت بين عامي 2000-2005 العديد من التفجيرات التي تركت أثارها السلبية على الاقتصاد الفلسطيني وشهدت انتشارا واسعا لأعمال البلطجة التي يقوم بها مسلحون أخذوا دور السلطة لكن عباس استطاع تحقيق الفوز من خلال التفاوض مع الإسرائيليين للانسحاب وقد قال زياد أبو عين نائب وزير الأسرى في حكومة عباس بأن السلطة الفلسطينية منذ الانتفاضة الثانية تسعى لنشر ثقافة نبذ العنف لدى الجماهير الفلسطينية وإنها تعمل جاهدة للدفع بعملية السلام عبر النأي عن فكر الكفاح المسلح.‏

لقد تم تنفيذ هذا التوجه على نحو جيد عبر ما تقوم به قوى الأمن التابعة لعباس والتي تحكم السيطرة على الضفة الغربية، بالتعاون مع القوات الإسرائيلية والمخابرات التي تتمتع بحرية العمل حيث تبين بأنه لم يقتل أي إسرائيلي خلال السنة الماضية الأمر الذي لم يحدث مطلقا منذ عام 1973 وقد عبر المسؤولون الإسرائيليون عن رضاهم عن هذا الواقع.‏

أما بالنسبة للفلسطينيين فإنهم يشعرون بالامتعاض والغضب مما آل إليه الوضع على الأرض فالمفاوضات متوقفة منذ خمس سنوات وإسرائيل تعمل بوتيرة عالية على توسيع المستوطنات اليهودية التي حرمت الفلسطينيين من 40% من أراضي الضفة ويتزامن ذلك مع ما استطاعت حماس انتزاعه من تنازلات ذات أهمية من إسرائيل بعد جولة من القتال بينهما حيث تمكنت قبل عام من الإفراج عن 1027 معتقلاً نظير تبادل مع جندي إسرائيلي سبق أن تم اختطافه.‏

ثمة خطوة ذات أهمية كبيرة قام بها عباس على الصعيد الدبلوماسي عندما ذهب إلى الأمم المتحدة وتمكن من الحصول على تأييدها بمنح فلسطين صفة دولة غير عضو لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قابل ذلك بالتوقف عن تحويل عشرات الملايين من الدولارات المستحقة للسلطة الفلسطينية من عائدات الضرائب وذلك بهدف إضعاف حكومة عباس ومنهجها لكن مما يجدر ذكره هو أن تلك العائدات قد تم الإفراج عنها في يوم الأحد الفائت عندما حذرت الاستخبارات الإسرائيلية بأن الضفة الغربية أصبحت على شفير الانفجار.‏

لم يغب هذا الدرس عن الناشطين الفلسطينيين وأولئك الذين يدعون إلى التظاهر السلمي ونبذ العنف. وقد ابتسم الدكتور مصطفى البرغوثي مؤسس المبادرة الوطنية الفلسطينية الذي يدعو إلى تحاشي رمي الحجارة في الاحتجاجات، في مكتبه في رام الله حول ما يشاع عن انتفاضة ثالثة عندما قال:«يوم أمس قمت باستفزاز وسائل الإعلام الإسرائيلية عندما أخبرتهم بأن الانتفاضة قد بدأت اليوم».‏

في واقع الأمر لا يعلم احد إن كان ثمة انتفاضة على وشك الوقوع في ضوء ما سبق وشهدناه من معاناة تسببت بها الاحتجاجات لكن ثمة اتفاقاً بين الجميع بأن كافة المقومات اللازمة لإشعال الأزمة أصبحت متوفرة نتيجة فقدان الأمل، حيث قالت فاطمة سلامة، 51 عاما، في لقاء معها على الرصيف في رام الله «إن التوترات تخلق الاحتجاجات» وقال آخر من الخليل «إن الانتفاضة ستحصل لأن الوضع لا يوحي بالتفاؤل على الإطلاق»‏

يتعين علينا أن نمعن النظر في أمر الفتى وليد هب الريح الذي لم يتجاوز الخامسة عشر عاما من عمره والذي أصيب بعيار ناري في صدره خلال مظاهرة خارج رام الله جرت يوم الأحد الفائت (بالقرب من السجن العسكري الإسرائيلي حيث يودع معظم السجناء الفلسطينيين) وهو ابن المسؤول عن الأمن الوقائي لدى السلطة الفلسطينية أي أنه ابن الرجل المسؤول عن حفظ الأمن في الضفة الغربية حيث وقف هذا الفتى في مواجهة الجنود الإسرائيليين الأمر الذي يعطي انطباعاً بأن السلطة الفلسطينية تقف إلى جانب الاحتجاجات القائمة لكن عندما طرح ذلك القول على المسؤولين كانت ردة فعلهم شجبا واستنكارا له حيث قال البرغوثي بأن ما ذكر أمر يفتقر للصحة والموضوعية لقد خدع الولد اباه واستقل سيارة أجرة ليشارك بتلك المظاهرة مضيفا بأنه ليس ثمة أب يدفع بولده الذي لم يتجاوز سنه 15 عاما للمشاركة بمثل تلك المظاهرات الأمر الذي يعطي الدليل على أنه حتى المسؤول عن الأمن لا يمكنه السيطرة على أبنائه ويحول بينهم وبين انتظامهم في مظاهرات وطنية وتلك معضلة يواجهها قادة فتح.‏

 بقلم: كارل فيك‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية