|
معاً على الطريق وكذا الأمر في خياراتنا كلها، فبالقدر الذي نمتلك فيه معلومات ومعارف كافية، وبالقدر الذي نكون قادرين على تفهم وتحليل تلك المعلومات، بالقدر الذي نمتلك قدرة على وضع تصورات لمساراتنا. واليوم إذ تأخذ الأزمة في سورية مسارات متداخلة فإن الأمر يفترض بنا أكثر من أي وقت مضى أن نعمل عقولنا وتفكيرنا في الوقوف على كل تفاصيل المواجهات بعد اتضاح المخطط الخارجي وأدواته وعناصره التنفيذية داخل البلاد وخارجها. والأمر اللافت على مدار الساعة ذلك العمل المتواصل الذي يدأب عليه الكثير من وسائل الإعلام في محاولاتها التضليلية متجاوزة كل المعايير والأعراف المهنية ومركزة على الإمعان في الأكاذيب والتزوير وتحريف الأقوال والتصريحات ومحاولة بثها في الشارع على أنها حقائق ووقائع حقيقية، فيما الوقائع تخالف كل ما ينشر. القضية ليست جديدة، وليست المرة الأولى التي يتم فيها العمل على تزوير الحقائق، لكنها ربما تكون المرة المتفردة من حيث الحجم الذي تدار به حرب إعلامية تدخل في إطار التأثير النفسي الذي يستهدف سرقة عقولنا وتفكيرنا، وبالتالي يستلب موقفنا ويدفعنا للوقوف في مواجهة حقوقنا ومصلحتنا. أما أدوات هذه الحرب الإعلامية فهي كل الأمور المتاحة بعيداً عن مدى ارتباطها القيمي والأخلاقي، كأن يتم تحوير أو الافتراء على أحد المسؤولين أو السياسيين من خلال إسناد تصريحات أو آراء له فيما هو في الحقيقة لم يقلها، وعلى الرغم من نفيها أو إصدار تصريحات رسمية من تلك الشخصيات أو مكاتبها الخاصة، فإن المحطات والقنوات ووسائل الإعلام التي روجت لها، لا تكلف نفسها عناء التنويه أو الاعتذار لتصويب الحقائق، بل أكثر من ذلك، فإن بعضها يذهب في غيه بعيداً من خلال بث حلقات حوار وتحليل لمناقشة تلك الأكاذيب وكأنها حقائق، متناسية أدنى المعايير المهنية والأخلاقية من جهة، ومستغفلة لعقول وتفكير المشاهدين والمتابعين، وفي ذلك تعمد إلى اتباع القاعدة الكلاسيكية في الحرب النفسية القذرة التي اعتمدها النازي غوبلز ذات يوم حين طلب إلى مجموعته الاستمرار في الكذب... ثم الكذب إلى أن يصدق الآخرون ما يتم الترويج له. المشكلة في هذا الجانب قد تكون مفهومة، لكن الأدهى والأمر هو أن يقبل البعض على تصديق تلك الأكاذيب قابلين لأنفسهم الانصياع الكامل خلفها متخلين عن عقولهم وأذهانهم.. أغلى ما يملكون.. وراضين بخداع أنفسهم فيعيدون تكرار الأكاذيب وكأنهم عايشوا تفاصيلها. وربما يذهبون أبعد من ذلك بإسنادها إلى أنفسهم، وكأنهم رافقوا تطوراتها، ويوماً بعد آخر نراهم يضيعون في تيههم الذي اختاروه وارتضوا لعقولهم الغياب، والتغييب.. وباعتقادي أن المعركة الأكبر ستبقى تلك الدائرة داخل النفس البشرية، وما يعتورها من تناقضات. وآخر القول: شر الناس من اتقاه الناس لشره. |
|