تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ويتجدد الأمل

آراء
الأربعاء 21/2/2007
د. اسكندر لوقا

يصعب على من ينتمي إلى جيلنا, نحن الذين عايشنا ذات يوم ساعة إعلان قيام الوحدة بين مصر وسورية, في الثاني والعشرين من شهر شباط عام ,1958 يصعب عليه التخلي عن أمل سيبقى يراوده الى أمد غير محدود, في سياق المعادلة القائلة بإمكانية أن يعيد التاريخ نفسه فيولد حدث قومي كبير كهذا الحدث الذي نحتفل به غداً الخميس.

الوحدة بين سورية ومصر كانت أملاً يراود أجيالاً سبقتنا وتحقق. ومن هنا سيبقى هذا الأمل يتجدد في نفوس أجيال قادمة, ما دامت تؤمن بأن الحق هو القوة, وبأن القوة مصدرها الوحدة.‏

في سنة ,1958 نذكر جميعاً أحداثاً كانت تحيط بسورية. وبعد سنة 1958 نذكر أيضاً أحداثاً أحاطت بسورية. بداية كانت الأحداث السابقة لعهد الوحدة ترمي الى إركاع سورية وتجريدها من صلاحية اتخاذ قرارها الوطني في منأى من التداخلات الأجنبية.‏

بعد قيام الوحدة, صار التآمر عليها شعار الراغبين بالعودة الى المنطقة, مادياً ومعنوياً, خصوصاً لضرب طموح أبناء الأمة نحو تحقيق الوحدة الأكثر شمولية من الوحدة بلدين عربيين, ومن هنا كان إسقاط التجربة التاريخية التي هزت الأوساط الاستعمارية وما كنا نطلق عليه في ذلك الزمن أوساط القوى الرجعية.‏

ويزداد شعور المرء بالألم في ذكرى قيام الوحدة, عندما يكون قد أمضى فترة من عمره في الموقع الأقرب الى صناع الوحدة. في سنوات الوحدة, حين استدعيت للعمل في المكتب الصحفي في قصر المهاجرين, ومن ثم ترأسته خلفا لأستاذنا الراحل نشأت التغلبي, متتلمذاً على يديه كما على يدي أستاذنا الراحل جلال فاروق الشريف في جريدة الوحدة, كنت واحدا بين الذين تنامى لديهم حلم استعادة حقوقنا العربية التي اغتصبت سواء بطريقة التآمر أو بقوة السلاح. بيد أن الحلم لم يتحقق بسبب إجهاض الحدث القومي الكبير الذي تحقق في عام ,1958 وأيضاً بممارسة سياسة ضرب أي توجه عربي في المنطقة قد يسمح للتاريخ بأن يعيد نفسه, فتولد وحدة ما بين هذا البلد العربي وذاك في غفلة من الزمن.‏

ولا أظن أن أحداً من أبناء جيل الأمس القريب نسبياً, يتنكر للنوايا النبيلة التي دفعت بطلاب الوحدة كي تتحقق في ذلك الزمن الصعب من خمسينيات القرن العشرين.‏

وأضيف بأن ما ارتكب من أخطاء هنا وهناك خلال المسيرة الوحدوية بين شطري الجمهورية العربية المتحدة, لم تكن العامل الرئيس الذي شجع المتآمرين على اقتناص الفرص المتاحة للإطاحة بالتجربة, بل المخطط الذي سارعت قوى عالمية كبرى, وبالتنسيق مع إسرائيل والحركة الصهيونية, لوضعه على عجل, كي يشكل الحاجز النفسي المؤثر سلبياً على المستوى العربي عموماً, وبذلك يتم, كما رأى أصحاب المخطط في حينه, يتم إطفاء جذوة الحماسة لدى جماهير الأمة في المشرق العربي, ويكون درساً لمن يحلم الحلم نفسه في المغرب العربي.‏

وفي التاريخ المعاصر ما يثبت نجاح المخطط, وما يجعل أحدنا يقارب وضعا أشد خطورة مما شاهدناه حتى اليوم, أعني ما يتخطى وحدة بلدين عربيين شقيقين, وصولا الى إقامة دويلات تتناحر فيما بينها على أرضية الدين أو المذهب, وذلك خدمة لاستراتيجية ما سمي منذ زمن قريب بالفوضى الخلاقة أو الاختراق النظيف!‏

ومع هذا, لا يجب أن يسقط العقل العربي من مخزون ثقافته الوطنية أن الوحدة العربية هي جزء من تراث الأمة, وكما سبق أن انتصرت أمتنا العربية على ظروف قاسية تستطيع, إن هي أرادت تجاوز الخلافات المستجدة بفعل تداخلات أجنبية خارجية, تستطيع أن تصوغ حلماً قابلاً ليكون واقعاً ملموساً على الأرض ذات يوم ومهما كان بعيدا.‏

Dr-louka@maktoob.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية