|
شؤون سياسية في الماضي كان الجواب يتجه مباشرة إلى إسرائيل, فهي التي احتلت فلسطين عام ,1948 والضفة وغزة والجولان وسيناء ووادي الأردن عام ,1967 وقبل ذلك قامت بعدوان ,1956 وهي التي تمتلك مشروعاً توسعياً لإقامة الدولة الصهيونية من الفرات إلى منابع النيل. ثمة تحولات حدثت في هذه السياق, وبخاصة بعد احتلال العراق ,2003 وأنتجت ثقافة جديدة لدى بعض وسائل الإعلام المرتبطة والنخب المرتبطة, تشير إلى مايسمى( الخطر الإيراني وبوجوه متعددة, النووي, التبشري, السياسي) والزعم بوجود مشروع إيراني يستهدف الهيمنة على العرب انطلاقاً من خلفيات قومية ومذهبية, وبالرغم من محاولات إيران تبديد مثل تلك الأفكار الخطيرة على العرب والإيرانيين والمنطقة وعلى مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي إلا أن نار الفتنة مازالت مستعرة. لماذا ايران?! إذا كانت إيران خطراً على العرب كما يسوق الآن, فماذا عن المشروعين الصهيوني والأميركي, هل يمكن للعرب تجاهل مايجري في العراق وفلسطين والمنطقة من محاولات صهيونية وأميركية لتفكيكها على أسس عرقية ومذهبية وطائفية, هل توقف سفك الدم الفلسطيني على يد الصهانية, وهل توقفت إسرائيل عن بناء صواريخها النووية التي تطول كل المدن العربية من الماء إلى الماء?! نعود قليلاً لنقلب صفحةفي التاريخ.. في زمن الشاه كانت إيران جزءاً من المشروع الأميركي الصهيوني على العرب, يومذاك لم يتم الحديث عربياً عن إيران الشاه والخطر الإيراني, وفي الطريق لامتلاك السلاح النووي بدعم أميركي, ويقال إن شمعون بيريز نصح الشاه بامتلاك السلاح النووي. عندما أصبحت إيران جزءاً من المشروع العربي الإسلامي لمقاومة المشروع الصهيوني والمشروع الأميركي بدأ الحديث عن خطر ايران وعن وجود إيراني وتحميل إيران مسؤولية هذا الدم المسفوح في كل العراق, وكأن الاحتلال الأميركي ليس موجوداً وليس سبباً في كل هذا الدم وهذا الاقتتال وليس تقسيم العراق في المشروع الأميركي, وكأن أصابع الموساد الإسرائيلي وأصابع المخابرات الأميركية بعيدة عن أعمال القتل التي تطول كل العراقيين في منازلهم وفي أعمالهم وفي الساحات العامة وفي الأسواق التجارية دون تمييز بين العراقي من هذا الطيف والعراقي من الطيف الآخر. أميركا تتهم إيران بتقديم السلاح للمقاومين الذين يهاجمون جنودها, وتدعي أن السلاح الإيراني هو السلاح الأكثر فاعلية في اختراق مدرعاتها, إذا كان هذا الكلام بحسب ماتقوله أميركا صحيحاً, فأين المشكلة عربياً أم أن مقاومة أميركا صارت إرهاباً?! ثمة أسئلة وأفكار تطرح اليوم في وسائل الإعلام وفي الملتقيات السياسية والثقافية العربية ولم تكن تطرح من قبل, لأنه لم يكن مسموحاً بطرحها سياسياً وأخلاقياً وكان طرحها يمثل انحرافاً في الالتزام وخلخلة حادة في المواقف والمبادىء والقناعات وانحرافاً يصل إلى حد الخيانة, ففي ستينات القرن الماضي قال( الحبيب بو رقيبة) رئيس جمهورية تونس آنذاك بإمكانية قيام حوار بين العرب وإسرائيل, من عاش في تلك الفترة يتذكر كيف التهب الشارع العربي من المحيط إلى الخليج بالغضب والتظاهرات. بعد تلك السنوات.. نسأل: مازالت الدعوة لقيام حوار مع العدو تشكل خيانة أخلاقية ودينية وقومية قبل أن تكون خيانة سياسية, وهل مازلنا نحمل الغرب الاستعماري معاناتنا ومآسينا أم أننا لم نعد نربط بين الأسباب والنتائج والانطلاق إلى اللحظة الحاضرة?! بعد تلك السنوات.. حدثت تحولات كثيرة.. ثمة دول عربية أقامت علاقات كاملة مع الدولة الصهيونية, ورفع العلم الإسرائيلي في عواصمها, وبعض العواصم راحت تستقبل مسؤولين إسرائيليين في الخفاء والعلن, لماذا حدث ذلك .. هل غيرت إسرائيل من طبيعتها العدوانية التوسعية?! عندما أطلق بو رقيبة تصريحه وهاجت الجماهير غضباً لم تكن القدس الشرقية محتلة ولا الجولان ولاسيناء ولا وادي الأردن والضفة الغربية ولم يكن الأقصى مهدداً ولا أعمال الحفر في باب المغاربة, ولم يكن الجيش الإسرائيلي يغتال الفلسطينيين يومياً, و يقوم بتوسيع المستوطنات, فماذا حدث ليكون هناك ا عتراف بإسرائيل وتبادل للزيارات معها.. هل هو والاستسلام والخوف من قوتها المتصاعدة والتي أكدت حرب تموز أنها قابلة للهزيمة? العرب قبل كامب ديفيد كانوا يحاولون بناء مشروعهم الذي يحدد علاقتهم مع بعضهم البعض ويرسم علاقتهم مع العالم الخارجي, وللدقة كانت تلك المحاولة خجولة وبطيئة وتتسم بالتردد لدى بعضهم ولكن الاتجاه العربي العام كان التركيز على الصراع العربي الإسرائيلي, وكان متفقاً على أن الخطر الإسرائيلي يتهدد الجميع,ومن الضروري مساندة دول المواجهة كما حدث في مؤتمر القمة في الخرطوم بعد نكسة حزيران والاتفاق على اللاءات الثلاث. هذا المشروع العربي بكل آفاقه وجوانبه القوية والضعيفة العاطفية والإيديولوجية في الصراع مع إسرائيل راح يتهدم بعد كامب ديفيد.. وشكل خروج مصر من المواجهة خلخلة حادة في الموقف العربي الجديد, فوجدت الأمة العربية نفسها أمام وضع جديد وثقافة سياسية جديدة, وتحولات جديدة تعيد النظر في طبيعة الصراع مع إسرائيل. الولايات المتحدة بعد حرب 1973 دخلت إلى المنطقة عبر سياسة مركزة ونجح كيسنجر في تصدع التضامن العربي, وتفريغ حرب تشرين من أبعادها ونجح في خلق أزمات حادة بين البلدان العربية وتحو يل الصراع في بعض المواقع إلى صراع عربي عربي, وبعد نجاح الثورة الإيرانية إلى حرب عراقية إيرانية. الحشود العسكرية الأميركية والبريطانية في الخليج العربي والتي تتمثل بعديد من حاملات الطائرات والبوارج والصواريخ, تعيد إلى الذاكرة الصورة التي سبقت الحرب على العراق, مع تشابه كبير في الأكاذيب والخطاب والتحرك السياسي ومحاولة ايجاد الذرائع لأي عمل عسكري مرتقب مع الحرص على إيجاد الغطاء لهذا العمل العسكري وتسويق محاولات امتلاك ايران للتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية كرعب يتهدد العرب. يقول باترك سيل:( إن أميركا تريد هناك تعصيداً لحمى الحرب يتقاسمها رئيس الولايات المتحدة الجاهل( المتنمر) وصقور إسرائيل الذين يستغلون, بلا خجل, مشاعر( البارانويا) التي تطفو على سطح الرأي العام الإسرائيلي.. ويبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل مصممتان على تجاهل دروس الحروب التي خاضتا غمارها وخسرتاها في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية, فراحت تعمل على خلق مناخ يساعدها على شن حرب على إيران, فتحركت إلى دول المنطقة لكسب ثقتها ودفعها للتحول معها نحو مايسمى الخطر الإيراني. يقول الكاتب الإسلامي فهمي هويدي: لقد استحوذ صراع الحضارات الذي تحدث عنه صموئيل هنتنغتون استاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد على اهتمام فكري وسياسي عالمي واسع خلال ال 15 سنة الأخيرة لكن في الوقت الذي انحسر فيه صراع الحضارات نسبياً اندلع فجأة صراع الإسلاميات, الذي أخذ ينتشر بغتة في رقعة جغرافية واسعة تمتد من اندونيسيا شرقاً إلى الجزائر غرباً. صراع الاسلاميات المتصاعد أكثر ضراوة ودموية وخطورة من صراع الحضارات, فرغم أن الرب واحد والدين واحد والرسول واحد والكتاب واحد, إلا أن المسلمين مذاهب وطوائف وجماعات وتيارات, وقد ازداد تنابذهم وتخندقهم وتناحرهم في الآونة الأخيرة بالاجتهاد كما العتاد. كان صراع الحضارات مجرد نظرية واهمة وقابلة للجدل والنقاش الأكاديمي.. وإذا كان بالإمكان الاستخفاف بصراع الحضارات فإنه لامجال لتجاهل النتائج العبثية والتداعيات المدمرة لصراع الاسلاميات, لقد تحول صراع الحضارات بقدرة قادر إلى صراع الإسلاميات, وانتقلت المواجهة من الخارج إلى الداخل, وأصبح العدو في الداخل أكثرفتكاً وعنفاً ودماراً من كافة أعداء الخارج. إن العرب وبخاصة النخب الواعية والمدركة تنبه الرأي العام العربي والإسلامي إلى خطورة تلك الفتن التي يسوقها أعداء العرب والمسلمين, والتوافق على مشروع واحد ينقذ العرب والمسلمين من تلك الهجمة الأميركية الصهيونية الشرسة. |
|