تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العالم بين عصرين ذهبيين

لوفيغارو
ترجمة
الأثنين 5-3-2012
ترجمة: سراب الأسمر

قبل عشر سنوات، تنبأ الاقتصادي جين أونيل لجماعة المال الغربية على التغييرات التي ستحدث في العالم نتيجة حركة نمو الأسواق المنبثقة- أربعة أسواق هائلة أطلق عليها تسمية BRIC وهي البرازيل، روسيا، الهند والصين.

وحول وجود محرك آخر يعمل في الاقتصاد العالمي الحالي وهو: ارتقاء «واحد بالمئة» من الأشخاص الأكثر غنى في العالم في الغرب ما يؤدي إلى ظهور العصر الذهبي الجديد حسب وصف البعض لهذا العصر.‏

أدت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر وتدفق الهجرة نحو أميركا إلى ظهور العصر الذهبي وظهور شخصيات عديمة الاستقامة سيطرت على كل شيء. واليوم فيما تعيد الثورة التكنولوجية والعولمة رسم الاقتصاد العالمي، نلاحظ حدوث تغييرات في الاقتصاد ينجم عنها عصر ذهبي جديد .‏

فنحن نعيش الآن عصرين ذهبيين ومتزامنين لكن مع وجود اختلافات بسيطة، والمقصود بذلك أن الغرب في الدرجة الثانية والأسواق المنبثقة في المرتبة الأولى. ونلاحظ أن التبدل الاقتصادي الذي نجتازه اليوم أكثر إذهالاً مما شهده القرن التاسع عشر إذ أنه يعنى بمليارات الأشخاص المتواجدة على الأرض. يقول ميشيل سبينس الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد ومستشار في الحكومة الصينية:»بنيويا، يعتبر هذا التبدل عظيماً جداً اليوم، وفي جوانب كثيرة أيضا وذلك نظرا لأهمية الاقتصادات المنبثقة التي تكتسح الساحة العالمية الأكثر تعقيداً . كما وأن هذا التبدل يختلف كثيراً عن التطورات الاقتصادية الماضية والتي اعتقد بأنها مسائل لم نواجه مثيلا لها».‏

هذا ويسهل فهم العصر الذهبي للأسواق المنبثقة بشكل أكبر، فالصين والهند وبعض دول أميركا اللاتينية وأفريقيا اتجهت نحو سياسة الاقتصاد الصناعي والتمدن كما فعل الغرب في القرن التاسع عشر، لكن مع إضافة وهي الثورة التكنولوجية والاقتصاد المعولم. كما لم تتجه دول الاتحاد السوفييتي السابق نحو الاقتصاد الصناعي وإنما استبدلت البنى المخفقة للتخطيط المركزي-الذي كان ينسق اقتصاداتها العرجاء- بنظام السوق، وهكذا عرف عدد من سكانها تحسناً في مستوى معيشتهم. وهكذا فإن عشرات آلاف سكان الدول المنبثقة أصبحوا من الطبقة المتوسطة فيما خرج مئات الملايين منهم من الفقر.‏

شاركت دول الغرب بنمو العصر الذهبي للأسواق المنبثقة فزعماء اقتصاد دالاس ودسيلدورف شرعوا بتوظيف الفلاحين القادمين من الدول المنبثقة وهذه أخبار جيدة لـ الأوليغارشيين (الجماعات الاستغلالية) الغربيين ، الذين أصبح بإمكانهم أن يكونوا صناعيين محتالين حسب العصر الذهبي الأول وبنفس الوقت أقطابا هامة في تكنولوجية القرن الحادي والعشرين، لكن هذا الانتقال أصعب على الطبقة المتوسطة في الدول الغربية التي هزها هذان العصران الذهبيان.‏

إن المقدرة المتنوعة للعولمة والثورة التكنولوجية زادت عشرة أضعاف من سرعة التغيير الاقتصادي للأسواق المنبثقة مما يفسر بقوة صحة نظرية جيم أونيل حول الأسواق الهائلة الأربعة التي أطلق عليها تسمية BRIC . ويصرح ديرون غيسموغلو بروفسور العلوم السياسية في MIT بقوله:»نحن نشهد نمواً اقتصادياً أسرع بكثير في الدول النامية، لاسيما في الصين والهند لأن السياسات والتكنولوجيات الغربية أتاحت عدم مركزة عدد كبير من الأعمال التي لا تحتاج إلى الكثير من المؤهلات في هذه الدول».‏

لكن العصر الذهبي للعالم النامي لا يعني ابتعاده عن التوترات والصراعات، إذ بإمكان التلفزيون والانترنت اليوم ان يوضح بشكل ملموس الاختلاف في الأجور بين الدول النامية والدول الصناعية الكبرى، فحتى النمو بنسبة 5% يمكن أن يبدو بطيئا جدا وهذا صحيح تماما حين نرى الأغنياء في الدول النامية يعيشون حياة أوليغارشية.‏

لقد تسبب العصران الذهبيان بضغوط سياسية واجتماعية كبيرة لأن هذا الشكل من التقلبات المفاجئة لها نتائج غير عادلة. عدا ذلك، فإن العالم لن يحظى بصمام أمان قد يساعد ولو مؤقتاً في تفريغ بعض ضغوطات الثورة الصناعية: فكان بإمكان فقراء أوروبة الهجرة نحو العالم الجديد، لكن لاننسى أن رغم هذا الخيار فقد توجب انتظار نصف قرن من الثورات والحروب قبل أن تسوى هذه الصراعات واللامساواة الناجمة عن تطبيق الوسائل الصناعية والمدنية في دول الغرب.‏

يرى جون فان رينن مدير مركز التجليات الاقتصادية في مدرسة لندن سكول أف إيكونوميك:»سيفضي الأمر بإنسانية نحو الازدهار فالرأسمالية تتحرك ولكن بحد وسط، وخلال ثلاثين إلى أربعين عاماً ستظهر تركيبات عنيفة».‏

 بقلم: كريستيا فريلاند‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية