تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


2012 عام المخاطر الاقتصادية

عن موقع :Le grand soir
ترجمة
الأثنين 5-3-2012
ترجمة دلال ابراهيم

يجري الخبير الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغلتز تحليلاً للخيبات والانتكاسات الأخيرة التي مني بها الاقتصاد الأميركي , والتي تبدو وكأنها صحوة أليمة لدعاة ( الحلم الأميركي ) .

والجدير ذكره , في البداية أن واشنطن استفادت من الوضع الخاص للدولار لتبسط سلطة غير متناسبة قياساً بقدراتها الاقتصادية الموضوعية . ولغاية الآن نجحت الولايات المتحدة عسكرياً في ردع أي احتجاج على إيراداتها . ويبدو أن موقفها بات من الآن فصاعداً في موقف صعب الدفاع عنه, سواء أكان من الناحية الأخلاقية أم العسكرية . وضمن هذا الإطار جاء الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن مثل دعوة للعودة إلى مبدأ الواقعية . وبالتالي لا مفر من إجراء عملية إعادة التوازن , ووفق رأي صاحب جائزة نوبل , سوف نلمس العواقب الجيوسياسية للإصلاح الاقتصادي خلال العام الحالي .‏

ولا شك أن العام 2011 سيمثل بداية فقدان الأمل بالنسبة للكثير من الأميركيين , على الرغم مما يظهر عليهم من تفاؤل بشكل عام . وفيما سبق صرح الرئيس كينيدي أن المد العالي يرفع السفن عالياً . ولكن هذا المد يتراجع الآن , وتأكد الأميركيون أن بواخرهم الضخمة لن تكون محظوظة بما فيه الكفاية للابتعاد فحسب , بل إن القوارب الصغيرة جداً تكسرت إلى قطع .‏

وفي حين اعتقدت الملايين من الأميركيين , خلال فترة قصيرة من الزمن أنه بإمكانهم تحقيق ( الحلم الأميركي ) . إلا أنه حتى هذا الحلم تلاشى الآن , والأميركيون الذين فقدوا وظائفهم عام 2008 أو 2009 استنفدوا مدخراتهم في عام 2011 . ولم يعد لهم الحق في الحصول على حق البطالة . وحيث إن الصحف تضع عناوين كبيرة تعلن فيها عن فرص عمل جديدة , إنما في الواقع لا تفي هذه الفرص بالحاجة لاستقبال الوافدين الجدد لسوق العمل, وليس لها معنى بالنسبة للعاطلين عن العمل الذين بلغوا 50 عاماً الذين فقدوا الأمل في إيجاد عمل لهم .‏

بينما أيقن المواطن ممن في أواسط عمره الذي كان يعتقد أنه لن يبقى سوى لبضعة أشهر دون عمل أنه الآن مرغم على التقاعد القسري . ومن جانبهم يئس الخريجون الجدد الذين عليهم تسديد قروض دراسية تصل إلى آلاف الدولارات في إيجاد عمل . علاوة على ذلك أن من كان ضيفاً لدى أحد الأقارب أو الأصدقاء أصبح بلا مأوى . ونضيف إلى ذلك مشكلة البيوت التي جرى شراؤها خلال الطفرة العقارية وعادت مرة أخرى إلى السوق ولم تجد من يشتريها أو تم بيعها بخسارة . بحيث إن أكثر من سبعة مليون عائلة أميركية فقدت منازلها .‏

ويبرز كعب أخيل في الطفرة المالية التي شهدها العقد الأخير الآن بشكل واضح في أوروبا أيضاً . وقد دفعت أوروبا ثمن ترددها في اتخاذ إجراءات عقلانية تجاه أزمة اليونان إلى جانب اختيار بعض الدول الأوروبية اتخاذ إجراءات التقشف غالياً خلال العام الماضي والآن أصابت العدوى إيطاليا . وأما في أسبانيا , لا زالت نسبة البطالة التي تقترب من حدود 20% في ازدياد منذ بداية الركود الاقتصادي . حتى بتنا نعتقد في أمر كان صعب الاعتقاد به وهو : عهد نهاية اليورو .‏

من ناحية أخرى , يمكن للدول الناشئة التي تمكنت من التخلص من العاصفة المالية خلال عامي 2008 و 2009 أن يكون لديها بعض الصعوبات في التعامل مع المشاكل التي تلوح في الأفق . وهذا ما بدا جلياً في البرازيل التي تعاني تباطؤاًً في النمو حالياً , الأمر الذي سيثير القلق لدى جيرانها في أميركا اللاتينية .‏

هذا مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المشكلات التي ستنبثق على المدى الطويل بفعل ظاهرة الاحتباس الحراري والتهديدات البيئية الأخرى وكذلك ازدياد عدم المساواة في كل مكان تقريباً , وبعض هذه المشكلات تزداد سوءاً , في حين يدفع ارتفاع معدل البطالة إلى إجراء تخفيض في الأجور وتفاقم مشكلة البطالة .‏

ولكن ثمة جانب إيجابي وهو أن حلول المشكلات على المدى الطويل يسهّل حلها على المدى القصير . حيث من المؤكد أن تعمل نمو الاستثمارات المتكيفة مع اقتصاد يستجيب لظاهرة الاحتباس الحراري على تحفيز النمو وخلق فرص عمل . وسوف يخفف تبني نظام ضريبي متطور وأكثر عدالة في توزيع الثروات من حدة عدم المساواة ومشكلة البطالة عبر زيادة الطلب . كما ومن شأن زيادة الضرائب على الأثرياء أن تعمل على تمويل الاستثمارات العامة الضرورية وتوفير الحماية الاجتماعية للطبقات الفقيرة ولاسيما للعاطلين عن العمل .‏

ومن خلال هذا المنظور سوف تؤدي الزيادة المتوازنة في الإيرادات الضريبية والإنفاق الحكومي إلى تقليص نسبة البطالة وزيادة الإنتاج دون حصول اتساع في العجز في الميزانية . ومع ذلك يتمثل الخطر في أن تعيق السياسة والاعتبارات الايديولوجية على جانبي الأطلسي ( وربما في الولايات المتحدة بشكل أكثر ) أي محاولة من هذا القبيل . وإن الاستمرار في هذا العجز سيفضي إلى تخفيض النفقات الاجتماعية , الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة حدة عدم المساواة . كما وأن الاستمرار في إعطاء الأولوية إلى العرض سوف يعيق زيادة الضرائب على الأغنياء .‏

إن إعادة التوازن للقوى الاقتصادية العالمية , حتى قبل الأزمة كان جارياً بالفعل وهو تصحيح خلل تاريخي قائم منذ 200 عام , خلالهم تناقصت حصة آسيا من الناتج الإجمالي العالمي من 50% إلى أقل من الحد الأدنى 10% . وفي آسيا , كما في الدول الناشئة يزول الالتزام البراغماتيكي لصالح نمو واقعي لا لبس فيه أمام الإجراءات الخاطئة للغرب . وهذه الإجراءات التي تتخذ تحت تأثير إيديولوجي أو مصالح خاصة يمكن أن تعطي انطباعاً أنها تسير ضد النمو . كما ومن المرجح أن يسرع ويؤدي إعادة التوازن للاقتصاد العالمي إلى توترات سياسية , نظراً للمشكلات التي تواجه هذا الاقتصاد , وسنكون محظوظين إذا لم تحدث على مدى ال 12 شهراً المقبلة .‏

 بقلم جوزيف ستيغلتز - الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية