تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سورية.. إرادة الإصلاح تواجه الفوضى والتخريب

شؤون سياسية
الأثنين 5-3-2012
عبد الحليم سعود

بمتابعة دقيقة لتطورات الأزمة في سورية يمكن أن نكتشف ما يشبه التناسب الطردي بين حالتين الأولى هي تسارع وتيرة الإصلاح إلى جانب الدعوات المتلاحقة والمستمرة للحوار في الداخل والثانية هي ارتفاع حدة الإرهاب

الذي تمارسه الجماعات المسلحة بالتوازي مع الضغوط السياسية والاقتصادية والإعلامية في الخارج، فكلما ازدادت الحالة الأولى وحققت بعض النجاح انعكس ذلك ازديادا في حالة العنف والإرهاب والتصعيد الخارجي، الأمر الذي يؤكد الانطباع السائد لدى معظم السوريين بأن المطلوب هو عرقلة مشروع الإصلاح وإبقاء الأزمة مستمرة بهدف إضعاف الدولة السورية من أجل تمرير أجندات خارجية مشبوهة ترتبط بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي.‏

فمع كل خطوة إصلاحية تقرها الحكومة السورية للخروج من الأزمة الحالية ومع كل دعوة صادقة لفتح الباب أمام الحل والحوار الداخلي يمكن لأي متابع أن يلاحظ بوضوح ارتفاع منسوب الإرهاب الداخلي المسلح المترافق مع تصعيد خارجي بأشكال سياسية ودبلوماسية واقتصادية وإعلامية وهو ما تقوم به بعض الدول العربية والغربية، في تأكيد واضح على الترابط العضوي بين ما يسمى «المعارضة السورية» وحراكها «السلمي» المزعوم وبين ما يحركها في دوائر صنع القرار العربية والغربية، مع فارق واحد يتمثل باستماتة هذه المعارضة في تنفيذ السياسات والبرامج التي تخدم مسألة التدخل الأجنبي في شؤون بلدها لا العكس، وذلك على العكس تماما من معظم المعارضات في العالم، حيث تتنافس المعارضة والحكومة وتتصارعان تحت سقف الوطن من أجل خدمة قضايا الناخبين.‏

ولعل الثابت الأكيد هو أن المعارضين السوريين وفي مقدمتهم ما يسمى «مجلس اسطنبول» والمنشقين والمتفرعين عنه، أصبحوا كالدمية التي تحركها أصابع خارجية وخليجية، فالجميع مشكوك في نزاهته وأخلاقه ووطنيته وأقل ما يقال إن معظمهم متورط بالعمالة لهذه الجهة أو تلك وأن الارتهان والتبعية يطوقانه من رأسه حتى أخمص قدميه، فعندما فتحت الدولة السورية قلبها وعقلها وحضنها للحوار الوطني المفتوح وغير المشروط رفض هؤلاء الحوار واستمعوا لاملاءات ونصائح الأعداء، وانفضوا في كل الاتجاهات لكي يتسولوا التدخل الخارجي والعسكري في بلدهم لدرجة أن بعضهم التمس المساعدة من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية وهما ألد أعداء سورية والعرب، وبحثوا عن تدويل الأزمة بشتى السبل مقدمين التنازلات والعروض المغرية لكل من يكن العداء لسورية أو يتربص بها وبشعبها شرا.‏

فتم تدويل الأزمة ونقلت ملفاتها من الجامعة العربية ـ التي تحولت بفعل الضغوطات الغربية إلى مجلس تآمر خليجي ـ إلى مجلس الأمن الدولي خارج مصالح ورغبات الشعب السوري، الأمر الذي ساهم بنشوء صراع دولي أو حرب باردة جديدة بين تحالف غربي طامح لإحكام سيطرته الكاملة على المنطقة تقوده الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية وتنخرط فيه بعض الممالك والأدوات الخليجية مقابل تحالف روسي - صيني يضم دولا أخرى مصمم على رسم خارطة العالم من جديد بصورة تحفظ أمنه واستقراره وتنهي السيطرة المطلقة للقطب الواحد على المسرح الدولي.‏

سلوك المعارضة هذا ونزوعها لاستخدام السلاح وسعيها لزيادة التسلح منذ اليوم الأول زعزع الاستقرار والأمن في البلاد وفتح الباب أمام كل مخرب وإرهابي ومرتزق سواء من تنظيم القاعدة أو حركة طالبان الأفغانية وصولا إلى متمردي ليبيا لكي يدخلوا إلى سورية ويعيثوا بأمنها واستقرار مواطنيها فسادا، ويهددوا سلمها الاجتماعي وتنوعها الحضاري بالفوضى والاقتتال، في حين بلغ تسعير العنف والإرهاب ودعم وتمويل ممارسيه حدودا غير مسبوقة بدعوة كل من قطر والسعودية علانية إلى تسليح المعارضة وتعهدهما بتوفير المال والسلاح لها وإرسال المرتزقة والإرهابيين إلى سورية، ما يشكل إعلان حرب حقيقية على الدولة السورية، وكانت طلائع هذه الحرب قد بدأت قبل عام تقريبا عندما شنت وسائل إعلامية مختلفة وفي مقدمتها قناتا الجزيرة والعربية حربا قذرة لم توفر فيها أي نوع من أنواع الكذب والتضليل والفبركة، ولم تسقط فيها أي فن من فنون التحريض والحض على الفتنة والحرب الأهلية.‏

ومعلوم أيضا أن هذه المعارضة لم تقدم حتى اليوم أي برنامج يتناسب مع طموحات الشعب السوري، ولم تعلن أي نيات إيجابية يمكن الحوار أو التفاوض حولها اللهم باستثناء نيتها التخلي عن المقاومة والالتحاق بمعسكر التسوية الاستسلامية مع إسرائيل، وهما مطلبان إسرائيليان يرفضهما كل مواطن سوري شريف، وهذا ما يعزز القناعة بأن معارضة اسطنبول خليط من المتآمرين والفاسدين والحاقدين والساعين للسلطة والحكم، فلا هي تشكل أحزاباً عصرية تسعى للديمقراطية ولا هي أحزاب وطنية تسعى لضمان مصلحة البلاد وحفظ استقلالها، والغريب العجيب أنهم يدعون الليبرالية والديمقراطية والتحرر في الوقت الذي يكيلون فيه المديح والإعجاب والثناء للنظام السعودي الرازح تحت نير التبعية والخارج لتوه من عصور الجاهلية والانحطاط.‏

في المقابل تسعى الحكومة السورية لترسيخ كل مبادئ الدستور الجديد القائم على التعددية السياسية وصيانة الحريات العامة للمواطنين انطلاقا من رغبتها بالإصلاح وتلبية مطالب شعبها، وقد أكد الاستفتاء على الدستور قبل أيام أن معظم السوريين يتطلعون بأمل وتفاؤل للخطوات التي تقوم بها الحكومة، ورغبتهم الصادقة في الخروج من هذه الأزمة باتجاه سورية القوية المتجددة، وهذه طموحات طبيعية وواقعية إذا ما قيست بالأوهام والكوابيس التي تؤمن بها المعارضة المسلحة والساعية لزيادة تسلحها، ومن الطبيعي والمنطقي أن يتم دعم إرادة الخير والإصلاح لا العكس أي دعم إرادة التخريب والقتل والفوضى الهدامة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية