تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تعـــــالوا نزرهــــــم

مجتمع
الأثنين 5-3-2012
رويدة سليمان

حزنت عليهم.. بل بكيت من أجلهم..

دمعي عصاني.. فانفلتت من عيني دموع وأنا أتأمل حياتهم، هنا خوف وأنين.. وهناك شوق وحنين.. لا أعرفهم ولكن أحسست بالحزن الذي ليس له مثيل.. أنا في دار المسنين؟!‏‏

هل هذا هو مصير المسنين؟‏‏

هل نقابل الإحسان بالإساءة ؟‏‏

هل نضحي بالعرفان؟‏‏

هل هذا جزاء حمل السنين والسهر والأنين أن نأتي بهم هنا لاجئين.‏‏

‏‏

قضيت معهم نصف نهار.. كانوا فيه يشتاقون لرؤيتنا، يمدون أيديهم إلينا، ينتظرون زيارتنا، .. ليحكوا ويحكوا ويحكوا، ليس لأن المسن وكما يعتقد البعض حكيه كثير، وينسى فيعيد الحديث نفسه من جديد ولكن لأنه يحمل في قلبه غصة وقصة لابد أن يرويها مراراً.. كي لا يختنق شوقاً وتحسّراً.‏‏

جحود الأبناء‏‏

قصص وحكايا ترويها الجدران والأسر.. وصور الذكريات النائمة فوق صدور النزلاء، حكايتهم واحدة، عنوانها/ جحود الأبناء/ ولاأعتقد أن مسناً يلقى الرعاية والمحبة والعناية ممن أعطاهم وبلا حدود وغمرهم بعطفهم وحنانه، اعتصر شبابه لمدهم بالغذاء والآمال والأحلام، يترك بيته وأولاده وأحفاده عن طيب خاطر ويلجأ إلى دار للمسنين.‏‏

ليعود الخريف ربيعاً‏‏

وعكس توقعاتي فالدار بالنسبة للنزلاء مكان هادئ ومستقر، تسوده الذكريات والتنهدات وروح المرح والدعابة، لا حواجز مكانية ولازمنية.. هموم وآلام وآمال مشتركة تقرب ما بينهم وتجعلهم أصدقاء، وقد تنقلب الصداقة إلى حب وغرام ليعود الخريف ربيعاً..‏‏

لأنه الأب.. ولأنها الأم‏‏

لأنه الأب.. ولأنها الأم.. ومهما فعل بهم الأبناء يبقون فلذات كبدهم ودائماً يبررون لهم تصرفاتهم الخاطئة معهم.‏‏

وفي نهاية حديثهم معنا كانوا دائماً يلقون باللوم على الوضع المادي الخانق أو على الكنة، أما أولادهم فلا حول ولا قوة لهم وهم مغلوبون على أمرهم.‏‏

وطبعاً هنا نميز بين دارين للمسنين.. دار يدفع النزلاء فيه أجرة سكنهم وهي أجرة مرتفعة (10 آلاف- 30 ألفاً) وهنا أعتقد أن كل شيء بثمنه.. بما فيها الابتسامة، ودار أخرى مجانية (دار الكرامة في باب شرقي) تستقبل كل الحالات دون شرط أو قيد بما فيها الحالات المرضية وأعتقد أنها مهما اتسعت فلن تستوعب جميع المسنين المحتاجين إلى الرعاية والعناية والدعم النفسي والمعنوي.‏‏

عقوق الآباء‏‏

في زمن يغرق بالماديات يعتقد الآباء أن توفير المسكن اللائق والحياة المادية هما قمة متطلبات الأبناء، لذلك يسافرون ليعملوا في الخارج يبحثون عن عمل إضافي وينسون مصادقة أبنائهم ويغيب عن أذهانهم أن عطاء الحنان أهم بكثير من عطاء المادة.‏‏

ولكن مهما كانت تصرفات الأب فإن الابن ليس من حقه أبداً أن يعاقبه ومن الطبيعي أن نقبل عقاب أب لابنه أما أن يعاقب ابن أباه فهذا أمر مرفوض.‏‏

وما يفعله بعض الأبناء مع والدهم منتهى العقوق وجرم من أكبر الجرائم بعد الشرك بالله، وعقوق الوالدين جزاؤه في الدنيا من نفس جنس العمل حتى يتعظ الناس جميعاً.‏‏

قال تعالى: «وبالوالدين احساناً» ولم يفرق بين الأب والأم في هذا الإحسان الذي يجب أن يكون عليه الابن ولكنه جلّ جلاله في بعض الآيات اختص الأم بمزيد من التوصية عندما قال في كتابه الكريم (حملته أمه وهناً على وهن) وهذا يعتبر تكريماً لها لما لاقته من متاعب الحمل والولادة وفي مراحل التربية الأولى، ولكن رسول الله (ص) لم ينس أبداً الأب فقال عندما سأل أحدهم: (من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله قال: أمك، قال ثم من، قال: أمك، قال ثم من، قال أمك، قال ثم من ، قال أباك).‏‏

نخاف الشيخوخة‏‏

عندما يبدأ المرض في مهاجمة مسن (أب، جد، أم، جدة) نتعامل معه وكأنه من حقه الطبيعي أن ينتصر عليهم ويشتد ويستقر في أجسادهم المنهكة فالمريض كبير السن عليه أن ينتظر الموت بدلاً من أن يأمل في الشفاء ورغم أن هذا الشعور يكون غالباً غير معلن إلا أن المريض يشعر به وينتقل إليه ما يؤثر سلباً في إمكانية الشفاء.‏‏

وربما كان هذا الشعور هو أحد أسباب الاهمال الذي يعاني منه المسنون في الوطن العربي وهذا الإهمال ليس طبياً أو صحياً فقط ولكنه اجتماعي ونفسي ومادي.‏‏

وهناك كثير من المعلومات الخاطئة التي تسيطر على أذهاننا فيما يتعلق بأمراض المسن، فالمسن هو إنسان متعدد الأمراض (مريض سكر وضغط- آلام مفاصل- وما يرفق ذلك من أمراض نفسية: اكتئاب- توهان- الخرف).‏‏

عموماً مجتمعنا يخاف الشيخوخة ويحسب لها ألف حساب.‏‏

الجد والجدة.. بركة بيتنا‏‏

(ما أغلى من الولد إلا ولد الولد).‏‏

في الوقت الذي يشعر فيه بعض الأبناء أن آباءهم أصبحوا عبئاً ثقيلاً عليهم ويتناوبون على استضافتهم في بيوتهم يتعلق الأحفاد بالجد لدرجة تفوق علاقتهم بآبائهم ويبادلهم الجد الشعور ذاته.‏‏

فالحفيد بالنسبة إليه امتداد له وهو يحمله الكثير من تجارب الحياة ما يجعله يشعر بقوة وثقة كبيرة وتزرع في نفسه بذور المقاومة والتحدي التي يمكن أن تواجهه في المستقبل، أما الجدة فتجمع حولها الأحفاد لتمازحهم وتحزرهم الحزازير التي تنمي قوة الملاحظة وسرعة البديهة ثم تدخلهم إلى عالم الحكايا.‏‏

لنعيد إلى حياتنا الأسرية بركة بيوتنا ولنستفد من خبرتهم الحياتية حين تتعب النفس وتتوجع الروح من هموم الحياة ومشاغلها.‏‏

هي صرخة بالنيابة عن هؤلاء الصامتين الذين تحملوا كثيراً ولا يجدون من يتحملهم في أيامهم الأخيرة.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية