|
مشاكسات سينمائية تلك الخاصية التي نشير إليها هنا هي قدرة السينما على عكس عمق حضارات الشعوب وعراقتها وأصالتها وقدرتها على ترسيخ مفهوم عالمية لغة السينما ، التي كثيراً ما تُفرغ من محتواها لصالح أعمال تجارية ضخمة تدور في دائرة مفرغة قوامها الاستهلاك ودس السم في الدسم .. أما عالمية لغة السينما فهي تلك التي ترقى إلى مصاف الخلود عبر إنتاجات يُفترض أن تُعبر عن حال الشعوب بشكل أو بآخر لتكون مرآة إبداعية فكرية لمفاهيم تتطور عبر الزمن ينطوي تحت لوائها العادات والتقاليد والإرث ووجهات النظر المتنوعة في مختلف مناحي الحياة المعبّرة عن مرحلة لها خصائصها الزمانية والمكانية . هذه الفكرة الأصيلة عبّر عنها مؤخراً بشكل أو بآخر المخرج الإيراني أصغر فرهادي لدى تسلمه جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي عن فيلمه (الانفصال) الذي أكد أن فوزه جاء بمثابة انتصار للغة الثقافة والحضارة على لغة الحديد والتهديد والعدوان التي تمرّس الغرب في الامعان بها وجعلها اللغة الأعلى صوتاً ، لكن يبقى للغنى الثقافي والإنساني صوت هو الأعلى . ولم يكن أصغر فرهادي أول المخرجين الذين حاولوا إيصال صوتهم من منطق ما يكتنزون من أصالة وعراقة وحضارة وإنما سبقه العديد ممن حاولوا إبراز هذا الجانب من القيم مؤكدين في مجمل ما قدّموه من أعمال أن الفن السابع ربما يستطيع أن يحمل ما تحاول أقنية إعلامية أو فنية أخرى طمسه سعياً لصبغ العالم كله بلون واحد ، إلا أنه يبقى للأصالة مكانتها المتقدمة عند الشعوب ودائماً تستطيع تلمس طريق خلاصها ليصل نورها إلى العالم كله ، وتبقى السينما واحدة من أهم المنابر التي يمكن من خلالها إيصال الصوت وإظهار هذا الغنى بما يكتنز من إبداع وحياة ، وبما يحمل من إرهاصات تقدم رؤى مستشرفة للمستقبل تارة ، محرضة ومثيرة للأسئلة تارة أخرى . |
|