|
دمشق - الثورة لم يصدق آخرون أن تتسع الفجوة بين الدين كعبادات وبينه كمعاملات وبات البعض يختزله بتطبيق الحدود وقطع اليد والرجم، وهو السبب في فشل العديد من التجارب مثلما حدث في أفغانستان وغيرها من الدول التي ذهبت إلى حدود بعيدة في تطبيق التعاليم الدينية. المجتمعات العربية في الوقت الراهن وحسبما أكدت نتائج الانتخابات في تونس بفوز حزب النهضة وفي مصر بتقدم حزبي الحرية والعدالة والنور السلفي، وفي المغرب بفوز حزب العدالة والتنمية تراهن هذه المجتمعات على الإسلام السياسي كحل يخرجها من أزمتها ويحقق لها ما نادت به «الثورات العربية» من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية تفقدها، ولكن ماذا عن المجتمعات التي مارست هذا النموذج وهل استطاعت من خلاله أن تحقق الاستقرار والتقدم والرخاء. قهر المرأة وفرض سيف الوصاية الذكوري باسم الدين حول هذا الموضوع تحدثت مجلة الأهرام العربي المصرية في عددها الصادر أمس الأول عن حكومات الإسلاميين الجدد متسائلة إذا كانت هذه الحكومات طوق نجاة أم شهادة وفاة للمجتمعات العربية وقال الكاتب أحمد أمين عرفات في مقاله الذي حمل عنوان «حكومات الإسلاميين الجدد» أن ما علمناه، من قهر للمرأة في أفغانستان وحرمانها من ممارسة حياتها الطبيعية وفرض سيف الوصاية الذكوري باسم الدين في الوقت الذي تدنت فيه سبل العيش الكريم وتجلي مظاهر التخلف في المجتمع وما تمارسه جماعات تدعي «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في السعودية التي تتباهى بانفراجة كبيرة في الحريات، مكنت المرأة أن تقود السيارة داخل الحرم الجامعي فقط بعد سلسلة كبيرة من القمع.. كل ذلك يجعلنا نتساءل هل ما حدث في بلاد ما سموه ثورات الربيع العربي من نهوض للإسلاميين خصوصاً في مصر سيكتب له النجاح والنهوض بحياة المواطن أم العكس؟. وفي هذا السياق يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر أخشى على الدول العربية التي تتجه للإسلام السياسي بعد الثورة أن تتسع الفجوة بين الدين كعبادات وبينه كمعاملات، فيختزلونه فقط في تطبيق الحدود وقطع اليد والرجم وهو السبب في فشل العديد من التجارب مثلما حدث في أفغانستتان لذا لا بد من نشر الوعي بالدين الإسلامي كمعاملات والتعريف بهذا الدين السمح وترسيخ المفاهيم الصحيحة فيه لأن الإسلام غني بالتجارب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. من جهتها قالت الدكتورة إجلال رأفت أستاذة الدراسات الإفريقية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة: إن ما وصل إليه السودان من انفصال ودخوله في مشاكل مجتمعية عديدة وحروب مع أنه لم يكن نتيجة تجربته مع الإسلام السياسي الذي بدأ في منتصف الثمانينيات مع ثورة الانقاذ وشهدت الكثير من النجاحات لكن هذه التجربة لم تمتد إلى منطقة الهوامش التي تعاني الإهمال والفقر ولم يهنأ المواطن السوداني بثمار السياسة الاقتصادية. العرب وخطيئة الأنظمة المستعارة وفي مقال آخر بعنوان «من تركيا وإيران إلى ماليزيا.. العرب وخطيئة الأنظمة المستعارة» قالت الكاتبة ايمان عمر الفاروق: تركيا، ماليزيا، ايران موزاييك في تجارب للحكم ذي الصبغة الإسلامية تطرح نفسها تارة ويستدعيها الشارع العربي تارة أخرى، وكأنه قد أشهر إفلاسه الفكري وقدرته على صياغة نموذجه الخاص الفريد ووقع في شرك الإعجاب أو الكراهية لهذه التجربة أو تلك ومن الخطأ بأن ما سمي ثورات الربيع العربي تعد بساطاً ممتداً لعباءة الثورة الإيرانية الخمينية لأن لكل بلد ظروفه وطبيعته وتكوينه السكاني ومن هذا المنطلق إن ما يمكن الاستفادة منه من التجربة الايرانية لا يرتبط بالناحية الدينية ولا المذهبية وإنما بتجربة الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي في كثير من مستلزمات الحياة والقطاعات الصناعية والتكنولوجية والعلمية المختلفة، وتلك هي الجوانب التي ينبغي أن ننهل منها، فالثورة الإسلامية بإيران نجحت في بناء دولة حديثة، وأما أخطر الجوانب السلبية التي يجب علينا توخي الحذر من الوقوع في الصدام الحاد مع القوى الدولية الكبرى والذي يعد من مثالب الثورة الإسلامية الإيرانية. من ناحيتها ترى الدكتورة وفاء لطفي أستاذة العلوم السياسية بجامعة 6 تشرين الأول أن كل نموذج آسيوي ناجح هو ابن بيئته، وغاية ما يمكننا فعله هو أخذ الدروس المستفادة فقط حيث تطرح التجربة الماليزية ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مجمل الهيكل الاقتصادي عندما يشار الى صياغة إحدى السياسات الاقتصادية مثل السياسة الصناعية أو الزراعية أو المالية أو التجارية، حيث أكدت التجربة الماليزية أن الانسان هو الجوهر والأداة الرئيسية لعملية التنمية، فضلاً عن كونها تقدم نموذجاً بارزاً للتعايش وايجاد ثقافة الحوار بين كل الأديان والأعراف وأطراف المجتمع الماليزي من أجل بناء بلد متزن. أما في التجربة السعودية فيقول الدكتور حسن أبو طالب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمتخصص في الشأن السعودي: إن السعودية تعد نموذجاً تاريخياً وجزءاً من نظام عالمي بدأ منذ زمن طويل ويقوم على التحالف بين الدين والسياسة أوبين الأسرة السعودية والأسرة الوهابية، إلا أن هذا النظام لا يرتبط بفكرة الشراكة الشعبية، حيث يجعل الشعب بعيداً عن المشاركة في صنع القرار، مستعيضاً عنه بمنحه بعض الامتيازات الاقتصادية والرفاهية. تجارب مريرة وأضافت المجلة في مقال آخر بعنوان «فَصَل الجنوب ويهدد بتمزيق ما تبقى.. الحكم الإسلامي في السودان.. تجربة مريرة»، وفي هذا السياق تقول الكاتبة أسماء الحسيني إن المحاولات التصحيحية أو النقدية داخل الحركة الإسلامية السودانية ربما تعكس إحساساً كبيراً في صفوف الإسلاميين بالأخطاء التي ارتكبت وأيضاً بالخطر ليس فقط على حركتهم ووجودهم في السلطة بل أيضاً على السودان كله ولا سيما بعد انفصال جنوبه واحتمال تمزق ما بقي منه في ظل استمرار السياسات الراهنة واشتعال حروب أخرى في أطرافه بدارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وتوترات عديدة في أنحاء البلاد الأخرى ويوضح الدكتور الطيب زين العابدين المفكر الإسلامي المعروف وأحد الأعضاء المؤسسين للحركة الإسلامية في السودان بالقول: لم يخطر ببالنا طرفة عين أننا عندما نحكم قبضتنا على مقاليد الدولة والمجتمع سنضرب أسوأ مثل لحكم ديمقراطي أو عسكري شهده السودان علمانياً كان أم إسلامياً، وإن ما حدث في عهد الانقاذ ما لم يحدث في غيرها من الكبائر، حيث حارب أبناء الشمال لأول مرة مع حركة تمرد جنوبية يسارية كراهية في حكم الانقاذ وانقلبت الحرب ضد التمرد من حرب وطنية تحفظ وحدة السودان الى حرب دينية جهادية ضد الجنوب ما أدى لمقتل أكثر من عشرين ألفاً من شباب الإسلاميين وألّبت علينا الحرب الدينية عداء دول الجوار والدول الغربية الكبرى. اختلاف السلوك والهدف وفي تقرير للكاتب أشرف أبو الهول بعنوان «الخلافات تفرقهم والوهابية تزحف عليهم.. خريطة الإسلاميين في غزة» يقول الكاتب انه تنقسم الجماعات السلفية في الأراضي الفلسطينية الى جماعات دعوية وتلك تنتشر في الضفة الغربية وقطاع غزة وجماعات جهادية وتلك تقتصر على القطاع وعملت الجماعات السلفية في فلسطين منذ ما قبل الانتفاضة الأولى أي نهاية الثمانينيات وأخذ طلاب علم تلقوا تعليمهم في الخليج بنشر الدعوة التي يعتبرونها تمثل الإسلام الصحيح لكن هذه الدعوة ظلت ضعيفة تقتصر على بعض الشباب الصغار في مساجد كان يسمح لهم بالتجمع فيها، وساعد على بقاء هؤلاء أن اسرائيل الكيان المحتل لم تكن قلقة منهم حيث كانوا يغرقون في تفاصيل كانت ترى فيها تعزيزاً للانقسامات الفلسطينية. ويضيف التقرير أنه حتى بالنسبة لحركة حماس التي ينظر إليها العالم على أنها الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين العالمية، فإن تلك النظرة تحتاج جزئياً لإعادة نظر لأنه ورغم أن حماس خرجت من عباءة الاخوان المسلمين بمصر وتلقى قادتها المؤسسون جميعهم تقريباً تعليمهم في مصر، ظلت الحركة مرتبطة فكرياً بالاخوان المسلمين الى أن ظهر فيها جيل ثان أقرب الى الفكر الوهابي لتلقيه تعليمه وتمويله في السعودية وبدأ في الظهور التدريجي على الساحة السياسية والجهادية برغم أن بقايا الجيل الاخواني الصرف مازالت تتحكم في قيادة الحركة. إغراق الإسلاميين في «الشرق الأوسط الجديد» والديمقراطية ستار ليس إلا!! في السياق ذاته نورد مقال يتحدث عن سيناريو أوروبي لإغراق الإسلاميين في الشرق الأوسط الجديد للكاتب عامر سلطان إنه وخلال ورشة عمل نظمها المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشا تام هاوس» الشهر في لندن، اعتبر المشاركون أن اسرائيل محرك مهم للسياسات تجاه مصر وأن الحكومات الغربية حريصة على إبقاء الحكومات العربية صديقة لاسرائيل أكثر من حرصها على دعم الحركات «الديمقراطية» في العالم العربي، ويقول هؤلاء إنه لو كانت الديمقراطية وحقوق الإنسان والإسلام المعتدل هي الشاغل الحقيقي للغرب بمؤسساته المختلفة لأثار هؤلاء قضية السعودية التي تطبق كما يقولون تفسيراً بالغ الصرامة للشريعة الإسلامية. بدوره يقول دبلوماسي بريطاني بارز مشارك في وضع سياسة بريطانية تجاه المنطقة لـ«الأهرام العربي»: إن الإسلاميين تحدثوا فقط عن مراجعة معاهدة السلام مع اسرائيل وهذا أمر قانوني منصوص عليه في المعاهدة، وينصح بعدم المبالغة في رد الفعل على الكلام بشأن مراجعة المعاهدة. ويلفت الباحثون البريطانيون النظر إلى أن الاسلاميين مثلاً لم يشاركوا بالهجوم على السفارة الاسرائيلية في القاهرة في 9 أيلول الماضي بل استنكروا ذاك الهجوم وأكدوا حسب الدبلوماسي حقيقة أن الاخوان المسلمين أكدوا مراراً التزامهم بالاتفاقات الدولية بما فيها المعاهدة مع اسرائيل. ويرسخ هذا المفهوم موقف المفكر الاسلامي محمد سليم العوا، مرشح الرئاسة المصرية المدعوم من الاخوان والذي يؤكد خلاله وعبر لقاء عقد أخيراً في جامعة لندن إنه «بيننا وبين اسرائيل عقود ومعاهدات وفي حالة الخلافات سنلجأ الى المنظمات الدولية لحلها وعندما لم تتمكن هذه المنظمات من حلها فسيكون لكل حادث حديث وأكد أن رؤيته لمصر في المستقبل لو اختير رئيساً لها ستكون مصر دولة صنع سلام للجميع في المنطقة». |
|