تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فــــــن إبداع القـصـــــة

شباب
2012/3/5
إرم ديوب

"ما الطريقة الأفضل لسرد قصة؟ بما أن مقياس التقييم هو اهتمام الجمهور, يجب أن تتوفّر عدة طرق جيدة بدلاً من طريقة واحدة فضلى. إذ إننا نهتمّ بالقصص التي تقدمها لنا الحياة من خلال مختلف أنواع و أشكال

التقديم. من الشائع جداً أن نتنبه إلى رغبتنا في معرفة ماضي أو مستقبل رجل غريب نراه في حالة غير اعتيادية أو مثيرة للشفقة أو مضحكة, أو نرى فيه صفاتٍ مميزة. فنتساءل أو نصبح شديدي الانتباه, يقظين لأي فرصة لمعرفة المزيد دون السعي للوصول إلى تلك الفرصة.‏‏

إذا رأيت وجهاً مميزاً لرجل يجر ثقل قيده بين السجناء, ثم رأيت نفس ذاك الوجه الذي لا ينسى على منبر الوعظ, فوحده ذو الطبع الفاتر من لن يهتم لمعرفة المزيد عن حياةٍ جمعت تلك التناقضات, حتى لو كانت تلك المعرفة مجتزأة و عشوائية.‏‏

و كذلك فإذا سمعنا الكثير عن رجل لم نره من قبل ، أو على الأقل سمعنا عنه شيئاً غير مألوف كثيراً، ، فإننا نتطلع حولنا بفضول عندما يقال لنا أنه موجود، أياً كان ما يقوله أو يفعله أمامنا يصبح مشحوناً بالمعنى بسبب معرفتنا السابقة عنه, تلك المعرفة التي جمعناها من الحوار الذي كان هو موضوعه المباشر و الصريح أو من الملاحظة العرضية..."‏‏

جورج إليوت‏‏

نجد القصص على شاشة التلفاز و السينما و في الكتب و الصحف و الدروس التعليمية و القصائد, و تأخذ دوراً كبيراً من حياتنا بصفتها أداة توصيل تجارب الغير. بات فن جذب الجمهور للقصة مهارة يتسابق فيها الأدباء و الصحفيون و المخرجون و كُتَّاب السيناريو, و يستخدمها أيضاً المدرّسون من أجل جذب انتباه الطلاب إلى الدرس. لكن يخفق الكثيرون في تحقيق جوهرها و هو نقل التجربة الحقيقية التي قد يفيد منها الآخرون و مثال ذلك ما نقرؤه يومياً من مقالات و نصوص إخبارية سردية ذات قيمة فقيرة في الصحف و المجلات و على شبكة الإنترنت و التي تتميز بعناوينها الصارخة أو الغريبة و ذلك بهدف اجتذاب القراء. و إن أي قارئ ذي خبرة بسيطة يمكنه أن يميز أن تلك النصوص تخلو من القصة القيّمة أو التجربة الصادقة بمجرد قراءة العنوان أو السطور الأولى من النص. قال صموئيل بتلر: "إنه لأمر عقيم أن تجلس للكتابة بينما لم تكن قد وقفت لتعيش! يبدو لي أنه حالما تتحرك ساقي تبدأ أفكاري بالتدفق." فإن لم تتوفّر التجربة الفعلية و الصادقة للنتاج الإبداعي, فقَدَ النص جوهره.‏‏

و قد يُعزى فقدان الجوهر أيضاً إلى تقليد أساليب الغير في اختيار و بناء القصص و قد يخضع المرء لذوق جمهور معين بغضّ النظر عن نوعية و مستوى النتاج. قال صموئيل بتلر في ذلك: "إن المؤلفين الناجحين هم من لا يكتبون من أجل الآخرين، ولكنهم مَن يجعلون مِن ذوقهم و حكمتهم الخاصة جمهوراً لهم. إن قليلاً من الافتتان ينسينا أننا لا نوافق على ما نوصي به الآخرين. يكفي أنني أرضي نفسي فيما أكتبه، وأنا واثق من توفّر الجمهور." و مثال ذلك واحد من المسلسلات التلفزيونية السنويّة الإصدار ابتدأ نجاحه منذ سنوات في تصوير قصص قصيرة تنقل الواقع الاجتماعي الأليم بطريقة فكاهية تركت الأثر الكبير في نفوس المشاهدين, إلا أن الفكاهة فيه تحولت في بعض الإصدارات الأخيرة من أسلوب مميز في نقل جوهر القصة إلى الهدف الرئيسي الذي أصبح مفتقراً إلى وجود القصة ذاتها فأفقد الافتتان باسم البرنامج و طابعه الفكاهي بعض كُتّابَه النوعية المميزة لقصصه الأسبق.‏‏

أما بالنسبة للإبداع و إطلاق العنان للفكر من أجل سرد أو تصوير القصة يقول الروائي ستيفن كينغ. "أنا مقتنع أن الخوف هو السبب الرئيسي للكتابة التي تكون في معظمها سيئة .... الكتابة الجيدة غالبا ما تتمحور حول التخلص من الخوف والتكلف". عليك أن تجرؤ على اختيار طرق العرض و السرد الخاصة بك و لا تقارن ما تكتبه مع ما هو شائع من أساليب طرح القصص في يومك. إذ إن حياة المرء غنية بالقصص و التجارب المميزة التي لا ينتبه الفرد العادي إلى قيمتها, فإن حاول العاديّون كتابة قصة سيتركون غنى تجاربهم و قصص حياتهم القيّمة و يتجهون إلى أنماط و مقاييس القصة الشائعة و التي غالباً ما تكون قد فقدت جوهرها من كثرة التقليد الأعمى. فكم أصبحت البرامج التلفزيونية و الأفلام و القصص القصيرة و الأشعار مكررة تتقارب مع بعضها في الشكل و المضمون و تبتعد عن التجارب الصادقة لمبدعها و بالتالي عن الجمهور فتغدو معزولة مصطنعة لا تحقق سوى إضاعة الوقت. فبمجرّد أن يقتنع المرء بقيمة تجربته سيتنبّه إلى مئات القصص التي يمكن أن ينقلها إلى الجمهور لتلامس قلوبهم و فكرهم في صدقها و حقيقتها. و في المقابل فإن استحواذ شعور الرضا على فكر الفنان تجاه نتاجه الإبداعي للقصة يقضي على إمكانية تحسين طريقة عرضها فيبقى جهده في الكتابة متواضعاً و يبقى النص متواضعاً أيضاً.‏‏

إن المجتمعات و الشعوب التي لم تزل في طور النمو و الكفاح من أجل تحسين مستوى معيشتها هي البيئة الأغنى بالقصص و هي المكان حيث يكون الجمهور بأمسّ الحاجة للتجربة الصادقة إذ يسمو هدف القصة في جميع أشكالها في رفع وعي جمهورها.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية