تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قصيـــدة

حصاد الورق
الأثنين 25-4-2011م
يمن سليمان عباس

التونسيان خالد النجار ورضا الكافي ينقلان الى العربية الشاعر الفرنسي سان جون بيرس من خلال ترجمتهما معا بعض النصوص ولنصوص اخرى صدرت تحت عنوان احدى قصائد بيرس «نشيد الاعتدال» وتضم القصائد التالية: جفاف، نشيد الاعتدال، نشيد ليلى,

الترجمة كما يقول محمد علي شمس الدين في دبي الثقافية العدد /71/بلورية، فالنص الشعري لبيرس صعب وذو منعرجات لغوية ودلالية،وكان أدونيس قبل التونسيين النجار والكافي، قد خاض هذه المغامرة الصعبة في ستينات القرن الفائت، وقدم ترجمات لبيرس أبرزها «منارات» التي تنقل أيضا مرارات وقد صدرت فيما بعد على حدة عن منشورات وزارة الثقافة السورية، لاأحد ينسى القصيدة الشهيرة لبيرس «ضيقة هي المراكب» التي ترجمها أدونيس للعربية في حينه.. وقد ترجمها من بعده «علي اللواتي» التونسي أيضاً، فالفرنسية في تونس تكاد تنافس العربية في الحضور الفكري والشعري يتدخل ادونيس بلغته في تشكيل النص العربي للقصيدة، وهي لغة هيكلية غير بعيدة عن لغة بيرس، على خلاف ذلك، فإن الترجمة التي قام بها النجار والكافي، أمانة تكاد تكون حرفية للنص البيرسي لكن ذلك لم يمنع من تلمس الشاعرية الصافية لقصائد بيرس.‏

لقد جاء الشاعر المسمى «ألكسي سان ليجي» الى العالم عام 1887 في جزيرة سان ليجي لي فاي بالغو دلوب، حمل اسمه اسم الجزيرة التي كان أهله يملكونها، فهو ذو والدة بحرية ومنعزلة ونشأ بين أنياب الصخور في الجزيرة،وهول البحر في «المهد المداري الذي أتلفته المياه الاوقيانوسية» كما يقول خالد النجار في فصل الاجراس تغني في المنفى، تلقى تعليمه الأول على يدي راهب متضلع باللاتينية، وتأثر بكتاب عالم النبات انطوان دوز عن النباتات البزرية لجزر الأنتيل، الذي أصدره في مرسيليا عام 1896، فشعر سان جون بيرس، وليد البحر والنباتات والعناصر والعصايا والكائنات البحرية.‏

إن الكشف عن مخالب الصخور في صفحة روحه وسياط الأمواج العالية والبرق والرعد والصواعق متاح لمن يقرأ شعره، نصوصه كالموج، قلقة رجراجة، يقول لصديقه روجيه كايوا«الشعر بالنسبة لي هوقبل كل شيءحركة، في ولادته ونموه وامتداداته»وبيرس علىمانرى،شاعر ذو سطوة كسطوة الكهان، لغته هياكلية وملحمية وقصائده كأنها اشارات توراتية أو قرآنية عنيفة للموت والقيامة،موت العناصر وقيامة العناصر الجديدة مكانها، غضب الأرض والطبيعة وتغضنات جلد الأرض، الرعود والبروق والبحر، البحر دائما بصخبه وغموضه بنباتاته ومخلوقاته المائية، فكلمات بيرس تشبه تفسخ وتكون العناصر، وموت الكائن وقيامته من فسوخ موته.‏

إنه في قصيدة «جفاف» ينفخ في بوق لغة أولية قاسية كما لوهو ينفخ في صورة القيامة، ويعلن النهايات بقوة وقسوة تناسبها لغة قاسية تناسبه هود تخصه دون سواه من شعراء فرنسا في النصف الأول من القرن العشرين، خصوصاً شعراء السريالية والدادائية والمستقبلية، انه ليس من هؤلاء وان عاش فيهم، انه الخاص الغامض، وعلى اساس هيرقليطس اليوناني يقول «سموني الغامض وكنت أسكن البرق».‏

وتخلص شمس الدين الى ان ارستقراطية لغة بيرس واختزالها الاعجازي بالفرنسية، يناسبها نخبوية واختزال مماثلات في العربية، والمترجم للشعر مندوب للاحاطة والتروي في عمله، فإذا كان الشعر في أصله هو لغة في اللغة، فإن الترجمة ستغدو لغة في لغة اللغة، ان المغامرة التي قام بها خالد النجار ورضا الكافي تسجل لهما في تقديم شاعر صعب صاحب لغة تكاد تكون ميثولوجيا الى عربية هي أقرب الىماتكون للأصل.‏

yemenabbass@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية