|
أبجــــد هـــوز عن فحوى السؤال وأحد الطلاب أجاب إنه يوم عطلة رسمية لا نذهب فيه إلى المدرسة وجميع الأوراق خلت إجاباتها من أسماء مثل سلطان باشا الأطرش أو الشيخ صالح العلي أو ابراهيم هنانو وسواهم من قادة الثورة السورية الذين ساهموا بتحقيق الجلاء، وهل يمكن إغفال الرئيس شكري القوتلي والشاعر بدوي الجبل وفارس الخوري مندوب سورية لدى الأمم المتحدة آنذاك؟ غير أن القصص والروايات الشعبية هي الأبقى في الذاكرة لأنها تجعل القلب يصدح بالموسيقا. كان الثائر نظير النشيواتي مطارداً من قبل إحدى دوريات العسكر الفرنساوي، حيث التجأ إلى أحد البيوت التي كانت كلها ذات فسحات سماوية، ولم تجد صاحبة المنزل وسيلة لحمايته سوى أن تطلب منه الجلوس ووجهه إلى الحائط، وتجلس هي إلى عتبة الغرفة، بعد أن أحضرت الماء والصابون لتأخذ وضعية المستحمة، ففي تلك الأيام كانت عتبة الغرفة هي مكان الاستحمام، وحين أصبحت دورية العسكر في فسحة الدار كانوا على ثقة من وجوده فيها، ففتشوها شبراً شبراً ولم يعثروا على الرجل ولم يبق أمامهم سوى تلك الغرفة التي يتدفق من عتبتها الماء والصابون، ولما هموا باقتحامها صرخت بهم تلك المرأة من خلف الباب: ألا تخجلون من أنفسكم؟ إني استحم ثم شقت الباب قليلاً لتريهم شعرها وجزءاً من كتفها المبللين بالماء والصابون. وهنا تراجعت الدورية وخرج أفرادها من المنزل وهم يتساءلون أين اختفى ذلك الجني؟ ولم يخطر ببالهم أن تقوم سيدة في بلد محافظ بعمل عظيم كهذا لحماية ثائر من بلدها ضد الاحتلال. ارتدت المرأة ثوبها وانتظرت حتى تأكدت من مغادرة الدورية وأن الوضع أصبح آمناً فطلبت من الرجل الخروج، أما هو فكان آنذاك مطأطئاً رأسه استحياء أمام تلك المرأة، وهو الشامخ الرأس أمام جبروت الفرنسي المحتل، وحين همّ بالمغادرة، دون أن يرفع رأسه إليها قال: الله يخلي لك ولادك يا أختي أم الياس، ولعلها تمتمت بالعبارة المتداولة على لسانها: «العدرا تحميك». كان من عادة بعض الصبية بعد انصرافهم من المدرسة أن يرشقوا مصابيح الحارة بالحجارة للتمرين على إصابة الهدف بغية التسلية، وأثناء اصطفاف أولئك الصبية في تحية العلم الصباحية بعد الجلاء دخل إلى المدرسة خيرو الشهلي وكان من الثوار وطلب من المدير أن يقول لهؤلاء التلاميذ كلمتين، قال المدير: تفضل يا خيرو، قال خيرو للتلاميذ: يا أولادي كنا نكسر مصابيح الكهرباء بالحجارة أيام الفرنساوي وهلق بعد الاستقلال صارت كل هالمصابيح إلنا كلنا يعني لكل السوريين. ولعل تلك الكلمات البسيطة كانت واحدة من أبلغ الخطب الوطنية المؤثرة. |
|