معوق طالته يد الزمان...يبحث عن قوته بعد أن أزالوا مصدر عيشه
مجتمع الأثنين 21/4/2008 فؤاد مسعد بعد أن تعصف رياح الحياة في مسيرة إنسان ترى كيف له أن يتدبر أمره? أيستسلم لمصيره راضياً مستكيناً لتلقي لطمة تلو الأخرى أم يصبر فقط, أم تراه يحاول جاهداً التمسك بالحياة على قساوتها حيناً وجورها أحياناً? ..
عيسى محي الدين إحدى ضحايا هذه القسوة وذلك الجور, فبعد إصابته وتحوله إلى (معوق) سعى للبحث عن لقمة عيشه بشرف دون أن يمد يده لأحد أو أن يترك للشيطان العنان فيعبث بأفكاره ويحرفه عما نهى الله عنه, لقد سعى لتكون اللقمة التي يطعمها لأولاده حلالاً من كشك تحول ليكون باب رزق له ولعائلته المؤلفة من زوجته وخمسة أولاد, ولكن دائماً هناك ما قد يعكر صفو هذا الرزق فتتالت لطمات الزمن. تتلخص القصة كما رواها لنا عيسى حين حضوره لمبنى الصحيفة أن هناك رصاصة أصابته في الرأس وهو في عمر الخامسة عشرة فجعلت منه معوقاً عاجزاً وبعد رحلة طويلة من الاستشفاء تضمنت ذهابه إلى ألمانيا وخضوعه لعمل جراحي دقيق تطلب منه بيع (الذي فوقه والذي تحته) عاد ليكمل علاجه الفيزيائي في سورية ولكن بقي سجين زنزانة الإعاقة الدائمة. يقول عيسى إنه حصل على كشك بموجب منحة رئاسية ليقتات مع عائلته منه, ولكن خضع هذا الكشك لنظرية (ابن بطوطة) في الترحال فقد افتتحه عام 1986 في منطقة المزرعة وبعد نحو سبع سنوات تمت إزالته بفعل قرار منع الأكشاك في المزرعة وفيما بعد أقام الكشك أمام دار التوليد عام 1996 واستمر في العمل فيه مدة تقارب الثماني سنوات لينقل إلى خلف سانا ولكن في الشهر السابع من عام 2005 أصدرت دائرة خدمات القنوات كتاباً يطلب إلغاء ترخيص كشك الإعانة هذا ,وتم ختمه للمرة الرابعة تنفيذاً لقرار مجلس محافظة دمشق فصدر قرار المكتب التنفيذي رقم 1572 تاريخ 27/11/2005 المتضمن إلغاء ترخيص كشك الإعانة في منطقة البرامكة لمخالفته شروط الترخيص وأزيل الكشك بموجب ضبط قسم شرطة محافظة دمشق رقم 3521 تاريخ 11/5/2005 وتقدم عيسى بدعوى قضائية إلى محكمة القضاء الإداري لوقف تنفيذ القرار ولكن في 30/7/2006 صدر قرار المحكمة المتضمن خلاصته رفض وقف تنفيذ القرار. والنتيجة أن معوقاً مسجلاً في وزارة الشوون الاجتماعية أصبح بلا عمل يقوته مع عائلته وأزيل باب رزقه الذي تمثل بكشك حصل عليه بمنحة رئاسية رغم أن هناك الكثير من المخالفات الأخرى والأكشاك القائمة التي بقيت شامخة في مكانها بقدرة قادر!.. فهل تحدث أعجوبة بعد هذا الوقت ويخرج كشك عيسى إلى النور مجدداً في منطقة مقبولة ليعيل أسرته أم ترانا نقول له ألا تنحرف وألا تجني مالاً بالحرام وألا يجرفك الشيطان وعليك أيضاً ألا تعمل وألا تعيل أولادك وألا ..وألا و.. دون أن نحرك ساكناً ونكتفي بضرب كف على كف ونقول (لا حول ولا قوة إلا بالله) دون مد يد حقيقية للمساعدة, فعوضاً من أن نطعم فرداً سمكة لماذا لا نجعله يصطاد السمك ?.. لماذا نمنع عنه الشباك والطعام معاً!?.. عيسى محي الدين من ضيعة دير مقري بالقرب من عين الفيجة, يبلغ مقدار راتبه التقاعدي (5564,25 ل.س) ومنه يكسو أولاده ويطعمهم ويدخلهم المدارس ويشتري حاجياتهم وبالطبع مثل هؤلاء ممنوع عليهم المرض لأن المرض مكلف هذه الأيام.. يقول حول تجربته في المرض ( لقد أصيب ابني مؤخراً بألم شديد في أذنه فعرضته على طبيب قال لي إنه بحاجة ماسة لإجراء عمل جراحي فسألت عن طبيب جيد يمكنه إجراء العمل الجراحي وعندها اهتديت إلى الدكتور توفيق البابا, وفقه الله, فأجرى العمل الجراحي له في مشفى خاص دون أن أدفع قرشاً واحداً وأمن له الأدوية أيضاً), لعيسى خمسة أولاد هم شجاع (الصف العاشر) ,محمد (الصف السابع),أحمد (الصف السادس), علي (العمر ست سنوات لم يدخل المدرسة بعد), إيمان (العمر خمس سنوات). حاول ابنه الأكبر العمل في مقاهي عين الفيجة فعمل لفترة بصفة (صنايعي) في مطعم كان يداوم فيه من التاسعة صباحاً حتى الثانية عشرة ليلاً ويتقاضى في اليوم 125 ليرة. وأخيراً يسر عيسى بأنه حاول البحث عن عمل لنفسه ولكن كلما دق باب وجد الجواب (أنت معوق) وعندما استطاع الحصول على عمل لم يستمر فيه أكثر من ثلاثة أشهر ومن ثم طرد ودائماً السبب هو نفسه..(لأنك عاجز) !.. هذه قصة عيسى وعائلته, فهل يبقى عرضة لظلم الزمن أم ترى هناك حل حقيقي يجعله يأكل لقمته وعياله بعرق جبينه?...
|