|
دمشق عاصمة الثقافة العربية هي كل ذرة من تراب المرجة وشموخ قاسيون. كيف يمكن الاختيار مما كتبته غادة السمان, إنه لأمر صعب أن تنتقي من الورد ورداً, ومن العطر عطراً ولكن لابد من اختيار شيء منها, تقول غادة السمان في نص عنوانه (أبدية الصعود): طوال سنوات فراقنا يا دمشق كنت أذهب إلى النوم متشوقة وخائفة في آن, كما تذهب العاشقة للقاء حبيبها الأول. أتعذب ريثما أتجاوز مخاض الصحو وحواجز الأرق, ثم أنزلق إلى بئر السبات, وأنا أعرف أنك تنتظرينني على الشاطئ الآخر للصحو.. لأضع عند قدميك عقداً من الياسمين مقطوفاً من البراري الوعرة لقلبي. لقد كنت دائماً مجنونة غيرمؤذية.. أحببت رجالاً لم يلتفتوا إليّ.. ركضت خلف قطارات أجهل إلى أين تمضي... عشقت مدناً أجهل لغة أهلها.. صادقت ديكة تعلن لصباحات لا تطلع.. اقترفت كمية لائقة من الحماقات.. لكنني احتفظت بياسمينك في قلبي نقياً ونضراً. وحين وصلت إلى قمة عشقي لك, تابعت الصعود. قاسيون زين الشباب وكما تغنى الشعراء بقاسيون كتبت غادة السمان له ورأته الحبيب الوحيد تقول السمان: أعرف أنني مهما ركبت من طائرات وقطعت من محيطات ورقصت بين القارات مازلت اتسكع في الزقاق الشامي الذي ولدت فيه جيئة وذهاباً منذ طفولتي وحتى أموت. ومهما اغتسلت في مياه التايمز والدانوب والسين والميسيسيبي والراين, لا تزال مياه بردى تبللني وحدها ولا تجف عني أعرف أنني أينما كنت, مازلت في بيتي الدمشقي تحت ظلّ عينيك يا حبيبي الوحيد, يا زين الشباب, يا قاسيون الأبد.. عبأت عمري في حقيبة وعن يوم مغادرتها مدينة دمشق تقول:( يوم غادرتك, عبأت عمري في عدة حقائب, وها أنا أتشرد بها من بلد إلى آخر, مثل راع يقود قطيعاً ضالاً من الخرفان في الصباحات الوعرة, بين مراعي الغيم تطارده بروق الذاكرة وتحرقه صواعقها.. حبك طائر تسلل إلى مركبي مزقزقاً بأصوات صديقات الطفولة وبنى عشه ولكن داخل شراعي فغطاه الياسمين الذي كان يتسلق شرفتي الدمشقية العتيقة وكانت جدتي قد زرعته بيدين تفوح منهما رائحة ماء الزهر والحناء, وتضمران الوشم البدوي الجميل.. سيدة الرحيل تزوجت من المجازفة وأنجبا الدهشة سيدة الرحيل, دموع من حبر, وشفتان من ورق ورئتان تتنهدان عطر الياسمين.. في السهرة الباريسية يتنزه حزني بين المدعوين وهو ينثر النكات والضحكات وفي عنقه عقد من الياسمين عمره ربع قرن ومازال نضراً كأنه قطف للتو.. في السهرة العامرة يلتقي حزني بالحنين, فيمشيان معاً يداً بيد ويرقصان في الحلبة خداً على خد. حبك يا دمشق بجعة بيضاء تسبح فوق مياه الذاكرة المعتمة الغامضة بكل صمت الياسمين وسريته. |
|