|
مسرح
في عرض (أناتول فيلد) للكاتب السويسري (هيرفيه بلوتش) و إخراج الدكتور( منتجب صقر) مثلما كان أمام بطلي العرض( مونت) و( بوستو) زميلي فيلد، الذي انتحر شنقاً في مكتبه، بعد أن علق نفسه بحبل و مات، فيرفض الاثنان الاعتراف بذلك، فكيف يستقبلان الحالة؟ و كيف يتصرفان حيال تلك الحادثة ..؟ولا سميا أنها صعبة التقبل، هنا يجد العرض نقطة انطلاقه غير المألوفة ،حيث يبدأ الاثنان بالتعامل بطريقة غير متوقعة ،و بآلية عبثية وهزلية مع جثته،و على عكس السياق الطبيعي ،وما يمكن التصرف فيه حيال الموت، فيستمران باللعب مع تلك الجثة،والطرح لتهويمات لم تكن بحسبان أحد ،تصل إلى درجة الحلم ، فيجسدان محوراً درامياً غريباً، لكنه غني بما استحضره من تفاصيل، للبقاء في تلك الدائرة،والتي رسمت بأسلوب فني تحرر من المدرسة الكلاسيكية ،ودخل شروط مسرحية جديدة ،ترجم وجهات نظر مبدعيها،وفق آليات فنية جمعت أكثر من شكل إبداعي غير مألوف،لكنه له الحضور،والذي يتطلب مقومات خاصة بحد ذاتها،دون غيرها ،فالعرض يدخل في إطار الشكل المسرحي القصير ،كما أنه مأخوذ عن نص ينتمي إلى المسرح الذهني ،ذاك المعروف بصعوبة نقله إلى الخشبة ،وقد سار عرضنا في هذا الاتجاه ،لذالك سلك بطلا العمل تلك الأفعال البعيدة عن الواقع ، ثم تداعت التصرفات الغريبة،والتي تحتمل تجليات الصدمة أمام الموت، وغيرها من الاحتمالات الأخرى ، لكنها بشكل أو بآخر تعبر عن عوالم مكبوتة و مختبئة ،حيث سجنت في دواخل كل منهما ،و حاولت الخروج في أول فرصة تسنح أمامها ،كي تعلن بكل فجاجة،عن مخزون قديم ،يزدحم فيه الكثير من الإشكالات والقيود،وتأتي الفرصة،كي تخرج ولو على شكل هذيان عبثي ،فيتحدث لسان حالهما ، عن حالات نفسية حدثت من الضغوط،وان كانت الآن تعيش التناقض ما بين الصدمة و ردة الفعل بطريقة غير متوقعة، إذ وجد الاثنان بوستو و مونت أمامهما عالما جديدا ،و من خلال ذلك تخرج أشياء و أشياء على لسانهما، فالحالة الدرامية ككل تخرج عن حدود المعقول،و تحقق أكثر من شرط مسرحي ، كما تدخل في إطار المسرح الذهني ،والمعروف اهتمام الكاتب (بلوتش ) فيه بشكل كبير، و خصوصية العمل الفنية هنا ،لا يوجد سرد و لا حبكة و لا و سط و لا نهاية ،هناك حدث غريب و مواقف صادمة، يتم التعامل معها عبر تقديم، أفعال توازي حالات مجتزأة من الدواخل الإنسانية بدقة،و في فترة زمنية خاصة ملتصقة بها،وبما يمكنها حتى في هذه الحالة تصدير الكثير من المقولات، فالعرض اعتمد على شكل درامي دقيق الخصوصية،امتاز بالغرابة، والتمسك بما أراد قوله، فقد تكثفت مفردات مسرحية، خلال فترة زمنية قصيرة ،وقدمت حالة جديدة ،كما أن ذاك العبث و الغرابة، صورا الخصوصية الإنسانية و الاجتماعية المحيطة ،رغم الاعتماد على ذلك القالب الجديد ،و الذي لم نعتد عليه فهو دراما قصيرة ،و على حد قول المخرج انه يتناسب مع النص المسرحي ،الذي ينتمي أصلاً إلى المسرح الذهني،المسرح الذي يعتمد عل صراع الأفكار، لا الصراع المادي فالعرض شكل فني جديد، لم يستغرق وقتاً طويلاً، لكنه تميز بالإيجاز البليغ في كل عناصره الدرامية و الفنية ،ما حمل أداء الممثل النهوض بالجزء الأكبر ،من عمليات العرض المسرحي، وخصوصا أن آلياته و تفاصيله جديدة على المتلقي، علاوة على صعوبة نقله، فهو بدأ بالتركيز على حادثة ليست مألوفة التناول ،حيث الجدة في حضورها كما طريقة معالجتها، و على الممثل هنا الالتزام و النهوض بمقومات مسرحية خاصة ، لأن العرض هنا لا يستند إلى تسلسل حكائي أو سرد أو قصة ما،يمكننا السير معها،تجذبنا وتثير فضولنا ، هنا حادثة غريبة يتم التعامل معها بطريقة غريبة و هزلية و رغم ذلك ،فإنه تمكن من اختصار الكثير من الملامح الإنسانية ،بين سطور الحالة تلك، مقدماً مشهدية مسرحية متجددة، بكل معنى الكلمة، يبتعد العمل فيه عن كل ما هو مألوف، في شكله و أسلوبه و حلوله الفنية، التي ابتعدت جميعها عن الشكل المسرحي التقليدي بشكل عام، و عن القوالب الجاهزة للحلول الإخراجية بشكل خاص ،وتحديداً في غياب الحبكة و القصة و التسلسل الزمني ،إنما حضر البديل ،وتجلى عبر إيجاز درامي و فني مكثف ،وقدم خلاصة بليغة دقيقة لمسارات و محاور و حالات و عوالم درامية متشعبة و متعددة محتملة ،و قد اختصرت ضمن معالجة مسرحية ،تمكنت من خلق خصوصية بامتياز ،جذبت متلقيها على أكثر من صعيد، حيث اطلعنا العرض على أسلوب درامي جديد، أعتق نفسه من قواعد الشكل التقليدي ،و قد كثف ما يريد قوله، من خلال تعامل شخصيات العرض مع نتائج أفعالها ،ليبرز هنا التركيز و التكثيف لكثير من الأفكار.ليشكل العرض عالما جديدا ،بكل معطياته الفنية و الزمانية و المكانية و الدرامية ،ومحافظا بنفس الوقت ، على شروط تلك اللعبة المسرحية والتي بدأ بها ، و فق مقومات جديدة ، ارتبطت بالعرض و براهينه المسرحية،وعوالمه،وكل ملامحه الفنية ،والتي خرجت متقنة،في كل تفاصيلها وأجوائها. |
|