|
ملحق ثقافي الإشارة إلى أن معرض أنطلياس للكتاب قد كرم الكاتب في ندوة اشترك في إحيائها كل من محمد علي فرحات وجورج اسطفان وبسام براك، ومنحته لجان المعرض درع «معرض أنطلياس للكتاب». وقد أقيم الاحتفال في صالة مسرح الأخوين رحباني في أنطلياس، أما الدرع فقد جاء فيه: «إلى رجل الثقافة ياسين رفاعية». وتزامناً مع التكريم، فقد أصدرت دار «جداول» في بيروت الأعمال القصصية الكاملة للروائي ياسين رفاعية في مجلد واحد يضم خمس مجموعات قصصية، كان الكاتب قد أصدرها تباعاً ما بين دمشق وبيروت، وهي: الحزن في كل مكان، و: العالم يغرق (المرحلة السورية)، ثم: نهر حنان، الرجال الخطرون، العصافير (المرحلة اللبنانية). حول هذه القصص يقول رفاعية: «كتبتها بعصب روحي ودمي، عمر هذه القصص عشرون عاماً (1960- 1980). في البداية، مثل كل بداية، تكون متعجلة، ولكن فيها فورة الشباب. كان عمري خمسة وعشرين عاماً عندما أصدرت «الحزن في كل مكان» ثم بعد سنتين أصدرت «العالم يغرق»، فهل كان في هذا نبوءة؟ فها نحن لا قيمة للإنسان». تعد مجموعة «العصافير» من بين أفضل مجموعات رفاعية، وترجم أكثر قصصها إلى لغات عديدة، وصدرت تباعاً الطبعة الأولى في بيروت، ثم طبعتان عن دار الطليعة، والطبعة الرابعة صدرت أخيراً عن دار الخيال في بيروت، وتُدرّس في أكثر من جامعة عربية، في الجامعة اليسوعية في بيروت وتونس. وكرمتها أكاديميات سيدة الجمهور في الحازمية بندوة قادها الأستاذ الجامعي الدكتور هنري عويس.
ويقول ياسين رفاعية حول هذه المجموعة: «لقد فاجأني هذا الاهتمام الكبير بهذه المجموعة بالذات، ليس في لبنان، بل في العالم العربي كله، ولدي شهادة من نجيب محفوظ أنها أجمل ما قرأ في القصة القصيرة». كتب الروائي والناقد الراحل جبرا إبراهيم جبرا لدى صدور «العصافير» قائلاً: «العصافير من أجمل وأبدع ما قرأت من زمان، أصيلة، عميقة الإنسانية، فاجعة، مفرحة. تترك أثراً معقداً وطيباً في النفس كأحسن الشعر». وكتب صالح جودت في «الهلال المصرية»: «العصافير مجموعة من القصص اللامعة للقاص السوري الموهوب ياسين رفاعية، تمتزج فيها الواقعية بالخيال، وتنتصر فيها إرادة الإنسان». أما الناقد والمسرحي الراحل عصام محفوظ فكتب عنها: «يتخذ الزمن حجماً مأساوياً من نهايات عدد كبير من أقاصيص «العصافير»، حيث الفراق واقعه وحلمه متماثل، وحيث يكسب الحلم ما يخسر الواقع. إن رفاعية الشاعر أدرك أخيراً أهمية دخول القصة القصيرة من باب الشعر». وكتب الأستاذ الجامعي والناقد أمين العيوطي في مجلة الكاتب المصرية: «في «العصافير» استطاع ياسين رفاعية الارتفاع بالصورة إلى مستوى الرمز. وفي كل قصة ينتصر لإرادة الإنسان والحياة». أما الناقد الراحل الدكتور محي الدين صبحي فكتب دراسة مطولة ألقاها في مؤتمر للكتاب والأدباء العرب الذي عقد في الجزائر، ومنها: «يعتمد ياسين رفاعية في «العصافير» على حركات خرافية تتجاوز الوعي الناضج إلى نوع من الوعي الفطري المنفتح على الحب ودوره في بلورة الإحساس بالحياة الإنسانية الحق». ويتابع رفاعية: «إنني بعد «العصافير» توقفت عن كتابة القصة القصيرة. وكانت لي محاولات كنت أهملها لأنها لم تصل إلى مستوى «العصافير»، فرأيت أن أتوقف نهائياً عن كتابة القصة القصيرة، منصرفاً بكليتي إلى كتابة الرواية، التي صدر لي منها حتى الآن 12 رواية».
ألقى ياسين رفاعية كلمة أثناء تكريمه في أنطلياس، ومما قال فيها: «سألتني مجلة أدبية ذات يوم سؤالاً واحداً هو: لماذا تكتب؟ قلت: السؤال هو الذي جرني إلى الكتابة. في البداية من أجل الحصول على الجواب. ثم تحولت إلى هاجس يتداخل في أعصابي باستمرار. تركت الدراسة باكراً، وعانيت من البطالة طويلاً. وكنت بين الحين والحين أجد عملاً ما: عند مصلّح للأحذية القديمة تارة، وعند بقّال طوراً آخر. وعملت عاملاً في معمل للنسيج تتعشش رزازات القطن في أنفي وأكاد أختنق. إلى أن استقرت بي الأمور زمناً طويلاً عاملاً في مخبز لصنع الكعك، كان أبي أحد أربعة شركاء في إدارته. كانت الحياة صعبة وكنت ألمس بنفسي صعوبة الحصول على لقمة الخبز والمعاناة اليومية من أجل الحياة، وكانت الهموم الصغيرة تتراكم باستمرار لتشكل ثقلاً على النفس والقلب والأعصاب. وكان الفشل كثيراً والنجاح كان حلماً. وأمام هذا الواقع كان لا بد من وسيلة للتعبير عن هذا الظلم، فوجدت نفسي منساقاً إلى الكتابة، ولكن على نحو غير جدي في البداية. ومع مرور الأيام توسعت نظرتي إلى الحياة. عانيت الحرمان في ظروف شتى وقاسيت، وكان الفشل يواجهني في كل منعطف. ثم سرعان ما تحولت عندي من رد فعل ذاتي إلى فعل إنساني شامل، فعشت مع الناس وصرت أتداخل في مآسيهم ومتاعبهم وهمومهم اليومية، إلى حد أصبحت مآسيّ أنا ومتاعبي أنا، وهمومي أنا، وكل ذلك يدفع بي إلى الكتابة. وقيل لي يومها إنني موهوب، ولكن بحاجة إلى الثقافة. فكنت أقرأ، لا من أجل الأخذ بنصائح الآخرين، بل من أجل الاطلاع على تجارب الآخرين. خلال خمسين عاماً كتبت آلاف الصفحات دون توقف ومازلت أكتب إلى أن يجف الحبر وتنتهي الحياة. أشكركم أيها الأصدقاء لحسن الاستماع، وأكرر شكري لمن حضر من أصدقاء وشعراء ورفاق درب. وأريد أن أكرر أنني كرمت في هذا البلد ثلاث مرات وأنا سعيد بذلك كثيراً، بل أحبكم جميعاً». |
|