تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عدنان الشيخ عثمان..جمالية الحرف وأصالة الفن

ملحق ثقافي
2012/5/29
ناديا سعود: الخط العربي فن تجريدي وتشكيلي في آن معاً، وهو الوعاء الجمالي لموروثنا الثقافي. وقد تطور الخط العربي، وبرز خطاطون كبار في التاريخ العربي، وكان أبرزهم الوزير ابن مقلة.

ودخل الخط طور التشكيل، واستخدم في بناء اللوحة التشكيلية، مظهراً جمالياته الكبيرة، ومشكلاً لوحات غاية في الفرادة والجمال. وفي وقتنا الحاضر، أصبح للخط العربي رواده الكبار، وأقيمت المهرجانات والملتقيات الخاصة بتطويره. ونال الخطاط العربي مكانة بين الفنانين. ومن بين الخطاطين المرموقين الآن الخطاط الفنان عدنان الشيخ عثمان، صاحب الحضور الدولي على مستوى الوطن العربي والعالم، والذي يشهد له تاريخه الفني بالكثير من الإنجازات. وها نحن نستمع إليه وهو يتحدث عن واقع فن الخط العربي اليوم بين الأصالة والمعاصرة.‏

• هل لك أن تعطينا لمحة عن بداياتك وكيفية تعلمك للخط العربي؟‏

•• منذ صغري تلقيت العلوم الشرعية وأحكام تلاوة القرآن الكريم مع تفسير الآيات وإعرابها، فحبَّبَ ذلك إلي فنون اللغة العربية وآدابها، وحفظت من عيون نثرها وشعرها ما قُــدِّر لي ووعيتُها شرحاً وإعراباً وصوراً بيانية.‏

هذا التمكن المبكر من ناصية الأدب العربي بأنواعه فتح أمامي الباب على مصراعيه لعشق عجيب لفن الخط العربي الذي هو صنو اللغة وتوأمها وأداتها.‏

وكانت البداية مع عناوين الكتب المدرسية والأدبية والعلمية المخطوطة بأقلام كبار الخطاطين من أمثال الأساتذة: بدوي الديراني وممدوح الشريف وسيد إبراهيم وحسني البابا؛ فكنت أحاكيها «رسماً» لعدم توافر أدوات الخط بين يدي آنذاك، وكان عمري وقتها عشر سنوات تقريباً.‏

ومع تقدم العمر أرشدني شغفي المتزايد إلى كراريس الخط ومراجعه الأصلية، فعكفت عليها بكُــلِّيتي دراسةً وتمحيصاً ومشقاً ومحاكاة، حتى استقامت قواعد الخط في عقلي وقلبي، وبدأ هذا الفن الرفيع الذي يعد من أجلى مظاهر حضارة أمتنا العريقة يقدم - رويداً رويداً - عصا الطاعة بين يدي.‏

• وماذا عن معارضك ونشاطاتك المحلية والدولية؟‏

•• شاركت في مسابقات الخط العربي الدولية التي تقيمها منظمة «إرسيكا» بإشراف منظمة المؤتمر الإسلامي منذ عام 1986 وحتى عام 2004، وأحرزت في مجموعها ثلاث عشرة جائزة في مختلف أنواع الخط العربي، وكان أبرزها: جائزة المركز الأول في الثلث الجلي، والمركز الأول في الديواني الجلي عدة مرات. ومكافأة إرسيكا للتميز في الثلث الجلي المتراكب. كما شاركت في مهرجانات دولية عديدة في الكويت والإمارات والسعودية والجزائر وسلطنة عمان ولبنان وماليزيا وهنغاريا.‏

حَكَّـمت في مسابقات محلية وخارجية أيضاً، وقمت بتدريس مادة الخط العربي في كلية الفنون الجميلة بدمشق من عام 2005 إلى 2010.‏

• أرجو أن تحدثنا عن ماهية الخط العربي وعلاقته بالتشكيل؟‏

•• الخط العربي من أبرز الفنون التشكيلية وأكثرها تعبيراً وحيوية، لما تتمتع به حروفه من طواعية عجيبة للتكوين والإرسال والقبض والمد والانكباب والاستلقاء والتقولب ضمن قوالب ساحرة لا نهاية لها: كالتكوين على السطر أو التكوين الدائري أو الإهليلجي أو القببي أو التكوينات الحرة الحديثة القائمة على نظام التوازن القلق الذي شاع استعماله في السنوات الأخيرة بين الخطاطين المعاصرين كمحاولة منهم لكسر التقليد المتبع وابتكار تكوينات ذوات آفاق ورؤى جمالية جديدة.‏

هذا – باختصار – من حيث «التشكيل»، أما من حيث «التجريد»، فإن الخط العربي هو رأس الفنون التجريدية بلا منازع، لأن شخصيات مفرداته وتشكيلاته ليست منقولة - محاكاة – عن الطبيعة، وإنما هي أشكال «تجريدية» توصّل إلى صياغتها الخطاط العربي عبر العصور المتلاحقة من عقله «المجرد» بعد أن تعتّقت الرؤى الجمالية في «قلبه العاقل» واختمرت لتؤتي ثمارها على هذا النحو المدهش.‏

أضف إلى ما سبق ما ينفرد به فن الخط العربي عن بقية الفنون التشكيلية بما يسمى اصطلاحاً: «القيمة التربوية»، والمقصود بها: القيمة المعنوية التي يحملها النص المخطوط، إذ إن مادة الخطاط – كما هو معروف – إما أن تكون من القرآن الكريم أو الحديث الشريف أو من منثور اللغة أو من منظومها.‏

والناظر إلى اللوحة الخطية يستمتع بها مرتين: مرة بجمال حروفها، وبديع تنسيقها، وإحكام تشكيلها، ومرةً بما يحمل النص المخطوط من قيم أخلاقية وإرشادية و تربوية نفيسة.‏

• من هم أهم الخطاطين الراحلين في تقديرك؟‏

•• هناك عدد لا بأس به من الراحلين عليهم رحمة الله، يقفون على قدم المساواة الفنية، وقد خدموا فن الخط العربي في عصرهم، وأضافوا إليه تحسينات وتنقيحات متميزة؛ منهم ـ مثالاً لا حصراً ـ الأستاذ «هاشم البغدادي» صاحب الكراسة الشهيرة «قواعد الخط العربي»، ومنهم الأستاذ «سيد إبراهيم» المصري الخطاط والشاعر وصاحب الإنتاج الغزير، والأستاذ «حامد الآمدي» التركي، والأستاذ «حسني البابا» صاحب التركيبات الخطية المبتكرة، والأستاذ الكبير «محمد بدوي الديراني»، وهو في تقديري أكثرهم تجديداً وابتكاراً وتنوعاً وتحليقاً في مختلف أنواع الخط العربي.‏

• والمعاصرون ماذا عنهم؟‏

•• لست أبالغ حين أقول: إن فن الخط العربي اليوم يعيش عصره الذهبي – بكل جدارة – حيث أفرزت المسابقات والمهرجانات ولا تزال تفرز مواهب رائعة، وأقلاماً قوية. وإذا كانوا يطلقون على زمن الراحلين «الزمن الجميل»، فإن هذا الزمن الذي نعيشه هو الزمن الأجمل نوعاً وكماً؛ حيث تتوزع المواهب الخطية العالية على مساحة الوطن العربي والعالم الإسلامي، وتنفرد سورية – بفضل الله تعالى – بحيازة قصب السبق في هذا الميدان؛ حيث أحرز خطاطوها المراكز الأولى في كل المسابقات الدولية التي جرت حتى الآن، حتى بلغ الأمر في إحدى المسابقات أن أحرزت سورية منفردة 52 بالمئة من جوائز المسابقة، و 48 بالمئة لبقية الدول المشاركة وعددها 44 دولة.‏

• كيف يمكن تطوير الخط العربي؟ وما مستقبل ذلك؟‏

•• الخط العربي دائم التطور بفضل جهود عباقرته المعاصرين الذين دخلوا به إلى آفاق جديدة لم تكن مطروقة من قبل، مع المحافظة على ضوابطه التسقيطية المتعارف عليها، والتي لم تصل إلينا إلا عبر جهود جهابذته وأعلامه منذ عصر «ابن مقلة» الخطاط العباسي الشهير إلى يومنا هذا.‏

فلا يجوز – بحال من الأحوال – الاستهانة بها تحت ذريعة التطوير والتحديث. وإنما يكون التطوير انطلاقاً منها لا من خارجها.‏

إذاً: المحاكاة أولاً وصولاً إلى الإتقان، ثم تأتي مرحلة الابتكار والإبداع كنتيجة منطقية للضبط المحكم والإتقان المحمود.‏

و لو تركنا الأمر هكذا دون أصول نرجع إليها لكثرة الأدعياء المارقين وندرة الأذكياء المرموقين.‏

• هذا يقودنا إلى اللوحة الحروفية المعاصرة، وما يدور حولها من جدل.‏

•• الحروفية فن متطور جداً، منبثق عن الأصالة الخطية المفعمة بالجمال المترف، أو هكذا يجب أن تكون. وهذا يؤكد ما ذهبت إليه سابقاً من أنه لا بد لصائغ الحروفية أن يمر بتجربة فن الخط العربي على أصوله وأحكامه وضوابطه فيتقنها -عملاً لا قولاً- قبل أن يتخذ لنفسه طريق الحروفية وأسلوبها. وعندها – فقط – سيأتي بالعجب العجاب الذي يأسر العيون ويستولي على الألباب. وهناك أساتذة كبار في هذا المجال،‏

حلقوا في الحروفية حتى كادوا يلامسون النجوم النيرة كالأستاذ «جليل رسولي» من إيران والدكتور «محمد غنوم» والأستاذ «خالد الساعي» من سورية.‏

في المقابل هناك – حروفيون – لا ترتقي أعمالهم الى المستوى الجمالي المنشود، لأنهم قفزوا قفزاً فوق رحلة الإتقان الخطي ولم يمروا بها إلا لماماً، فجاءت أعمالهم ركيكة التكوين، مخيبة للآمال، لا يكاد الناظر يقف عندها حتى ينتقل إلى غيرها.‏

• إذاً يجب على الفنان التشكيلي أن يتقن الحروفية بشكل كبير، أليس كذلك؟‏

•• بلى. لا بد للفنان التشكيلي الذي سلك مسلك الحروفية أن يلزم نفسه بالتدريبات العملية على مفردات الخط العربي بكل أنواعه، حتى ترتفع ذائقته الفنية فيها، ويكون قادراً على استخراج مكامن الجمال التي تختزنها، وإلا جاءت لوحاته ضعيفة وغير متقنة.‏

• ماذا تقدم مهرجانات الخط العربي والتشكيل الحروفي؟‏

•• المهرجانات الخطية هي التربية الصالحة لاستنبات المواهب الخطية الواعدة. وبما تحمله من روح التنافس الشريف بين المشاركين ترتقي بهم جميعاً نحو الأفضل حيث يطّلع المشاركون جميعاً على أعمال بعضهم بعضاً، ويحدث التلاقح الفكري والفن الإيجابي، الذي من شأنه رفع السوية العامة لهذا الفن العظيم بين ممارسيه من جهة وبين الجمهور المتابع المتعطش من جهة أخرى، وصولاً إلى اليوم المنشود الذي نتطلّع إليه جميعاً بلهفة وشوق.. هذا اليوم الذي يأخذ فيه فن الخط العربي مكانته المستحقة بين الفنون العالمية الأخرى. وهذا قريب جداً بإذن الله تعالى.‏

• وختاماً ماذا تودُّ أن تضيف؟‏

•• أهدي السادة القراء هذه الأبيات من البحر الكامل وقد نظمتها عام 2001‏

ثلث الخطوط حدائق الأحداق‏

شهد يطيب لنخبة الأذواق‏

بدوي وهاشم والكبار جميعهم‏

ذرفوا البكاء لضاحك الأوراق‏

صاغوا عيوناً من بريق عيونهم‏

حوراً فأضحت مصرع العشاق‏

تلك المراتب لاتنال تمنياً‏

فافتح لعزمك منفذ الإعتاق‏

في محفل الخط الكبير صدارةٌ‏

للشام بين مدارس الآفاق‏

فرحي بذاك إذا يقاس فإنه‏

فرح المشوق بأوبة المشتاق‏

فالحمد للرحمن جلّ جلاله‏

رهن العلوم بصالح الأخلاق‏

ثم الصلاة على الحبيب محمد‏

ماحي الظلام ومبعث الإشراق‏

والآل والصحب الكرام فكلّهم‏

تاج الرؤوس ومنّة الأعناق‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية